عند الخروج من ضريح سيدي حماد أوموسى,و الانخراط في المسلك غير المعبد المتجه إلى,يكتسي المشهد طابعا قاسيا أشبه بتضاريس القمر.ولكن بعد بضعة كيلومترات وسط الغبار,تلوح عند منحدر واحة صغيرة تلطف خضرتها من قساوة المكان.وفي الجهة المقابلة,على المرتفع,تبدو للمرء بنايات قديمة,كثير منها تحولت إلى أنقاض.وتبرز وسط كل هدا قلعة من تلك القلاع المبنية وفقا للطراز القديم..هده هي.ويكفي عبور قنطرة صغيرة,تم تجديدها للتو,للوصول إليها.
من يجهل المكان سيواصل طريقه دون أن يعير أي انتباه لهده القرية الصغيرة, ودون أن يلتفت إلى هدا البيت الكبير الذي يطل عليها.وعلى أي,فمن يجهل المكان لن يتجشم عناء المرور من هدا المسلك غير المعبد,فليس فيه ما يغري بالمرور ولا يفضي إلى أي مكان يثير الاهتمام بالنسبة إليه.ولكن بالنسبة إلى من يعرف هده المنطقة, فهدا المسلك ..طريق استقبل العديد من الأحداث المهمة..طريق سار فيه العديد من الشخصيات البارزة..طريق خرج من كل هدا محملا بتاريخ غني.
إن هده القرية..هده القلعة..هده الأمكنة كلها, حبلى بالذكريات. وكتب التاريخ, والأبحاث العلمية الرصينة, والحكايات الشفوية الكثيرة تشهد على هدا الثراء.فتاريخ سوس كله يمكن الاطلاع عليه هنا,على نور القمر أو في ضوء النهار.بل أكثر من هدا,فجزء من تاريخ المغرب قد كتب هنا,ويمكن لمس دلك في هدا المكان أكثر من أي منطقة أخرى,أو على الأقل لمس جوانب منه.إننا فعلا في أحد الأماكن المفعمة بتاريخ في المغرب.نعم,بين ثنايا هده الأنقاض,وبين جدران هده البيوت المتواضعة التي مازالت صامدة,توجد شحنات مكثفة من الذكريات و من الموروثات تكاد تخنق ساكنيها.و هؤلاء يرغبون في تسليمها إلى من له الحق فيها,حتى يتخففوا من ثقلها الذي لم تعد تتحمله أكتافهم.
إن هده,التي تبدو اليوم هشة,كانت في وقت من الأوقات تحكم كل منطقة سوس.ولن أذهب هنا إلى حد الاستعانة بالذي تحدث عن , بل سأكتفي فقط بالعالم اللامع المختار السوسي الذي خصص للمنطقة كتابا مهما هووالدي كان يصف زعيمها,الحسين بنها شم ب.من جهته,قام,الذي جعلني أكتشف المنطقة وأسقط في حبها,بإعادتها إلى سطح الذاكرة,وأثار انتباه المثقفين إلى أهميتها.
بيد أن هده الدار,التي كانت بيتا للأمراء في القرن ال17 ومركز قوة في القرن 19,تتحول اليوم إلى أنقاض.إن هده القلعة,التي كان تهيمن على التجارة مع المناطق الصحراوية في القرن 19,وكانت تلعب دورا محوريا في العلاقات بين السلطة المركزية والقبائل الصحراوية ,وكانت تمثل نموذجا تدبيريا و تنظيميا للشأن السياسي يعكس التشكيلة الاجتماعية المغربية, تركت فريسة للنسيان و الإهمال هناك على قارعة مسلك وعر مغبر.
لقد اطلعت على الكتاب الذهبي لهده الدار, وهو يفضح هدا الصمت الناتج عن اللامبالاة التي تحاصرها من كل جهة.وقد سألت ساكنيها عن أحوالهم و أحوالنا.وكان الحزن الذي يغشى نظراتهم أفصح من أي شكوى.ويا لغرابة الأمر,فاسم هده العائلة هو..كأن عيني مؤسس الدار, كانت مند قرون, تخفي أحزان الأزمنة التي ستأتي بعده.ولكنهم ليسوا من أولئك الناس الدين يقبلون التوسل والاستجداء.فالأمر هنا لا يتعلق بالتوسل أو الاستجداء بل بالذاكرة.
كيف يمكن التهرب من واجب الذاكرة هدا؟كيف يمكن إهمال إرث بهدا الغنى..إهمال هدا الرأسمال التاريخي؟هل يتعين العيش في المنفى,كما هو حال المختار السوسي,للوعي بأهمية هدا الإرث..هده الذاكرة؟فهدا الرجل العظيم جاب سوس كله على ظهور البغال ليسجل تلك الذاكرة ويحفظها للأجيال المقبلة.ألم يعد لدينا ما يكفي من وقت,في عصر السيارات الرباعية الدفع والمروحيات,للتعمق في معرفتها وإنقاذها,خاصة وأن هده الذاكرة باتت اليوم في خطر؟
أين هم أصحاب الملايير المنتمون إلى هده المنطقة التي كانت مشهورة بأعمالها الخيرية؟مادا يمثل بالنسبة إليهم إنقاذ و ترميم دار إليغ,أي إنقاذ و ترميم جزء من تاريخ بلادنا؟أين هيالتي انتحلت اسم المكان دون أن توليه بالمقابل الاهتمام الذي يستحق؟مادا يمثل مهرجان أو حتى مهرجانان,بل و تظاهرات أخرى عديمة الفائدة في الغالب,أمام مهمة إصلاح هده الدار؟كم سيكون المكسب كبيرا بالنسبة إلينا أن نرى المغاربة يحجون إلى مكان يجدون من يصفه لهم ويحكي لهم عن تاريخه,ألن تكون في هدا مصالحة رائعة ستقوي أكثر الإحساس بالانتماء الوطني لدينا؟إن الأمر يتعلق بذاكرة مشتركة بين الشمال والجنوب,بل حتى افريقيا السوداء لها فيها مكان مهم جدا.نعم إن هده الأنقاض خصبة أكثر بكثير مما نظن وتستحق كل الاهتمام وكل العناية.فالمغرب الإفريقي,
والمغرب الصحراوي,والمغرب البحري,والمغرب السلطاني,والمغرب القبلي,كلهم مجتمعون هنا في هده البنايات,وفي الحكايات التي تؤرخ لقوتهم وتروي مدى اتساع علاقاتهم.إذن,أين هي وزارة الثقافة؟ربما أن الوزراء المتعاقبين لا يعرفون هدا المكان ولم يسبق لهم أبدا أن سلكوا هده الطريق المغبرة التي تقود إليه.أين هم مناضلو الهوية الأمازيغية ,الدين يثيرون الكثير من اللغط حول العديد من الأمور والدين كان يتعين عليهم الوقوف في الصفوف الأولى للدفاع عن هده القضية؟هل هناك قضية أهم من في حقل الدفاع عن الثقافة الأمازيغية والثقافة المغربية؟
إنني أدعو كل الدين يهمهم أمر هده القضية إلى الخروج عن صمتهم,والعمل من أجل أن يحظى هدا المكان..هدا الرمز..هده الذاكرة بالشرف الذي تستحقه.ويجب على كل الدين ابتسم لهم الحظ من أبناء المنطقة,ويتوفرون على الموارد الضرورية,المساهمة في إنقاذ وترميم دار إليغ.فتاريخ بلادهم سيسجل لهم دلك.
أخر الأخبار
- مع الراهنالفرس الأمازيغي محور العدد الجديد من مجلة “زيك ماغزين”
- الثقافة الأمازيغيةالرباط تحتفي بدور عموري مبارك في عصرنة الأغنية الأمازيغية
- مع الراهنمجلة “زيك ماغزين” تخصص عددها الجديد للغة الأم
- مع الراهنعدد جديد من “زيك ماغزين” ينتظركم في الأكشاك
- مع الراهناكادير: الدورة 15 لمهرجان الفيلم الامازيغي من 11 الى 15 شتنبر
- مع الراهنتافروات: هجرة السوسيين في الدراسات والإنتاج الثقافي
- مرئياتيوبا: Aws i g’mak
- مع الراهنتافروات: “الهجرة” موضوع الجامعة القروية محمد خير الدين
- مرئياتمحسن أجبابدي يروي ذكرياته عن تيزنيت
- مع الراهنأكادير: المرأة والهجرة” شعار النسخة الثانية من مهرجان “إيمينيك”
اضف تعليق