هكذا ضاع التاريخ الهجري !

   نكتب في مذكراتنا ومراسلاتنا، بل وحتى الأساتذة في أقسامهم يستهلون دروسهم بكتابة تاريخ ماسخ على سبوراتهم  دون أن يكلف أيّ منا ولا منهم نفسه القيام بعملية طرح بسيطة لما نكتبه زيفا وتدليسا كتاريخ هجري ماسخ. فيكتب كل منا مؤرِّخا ليومه مثلا: السبت 30 يوليوز 2022م الموافق لــ01 محرم 1444هـ…. هذه السنة الهجرية التي نوافقها ل 2022م. نكتبها بلا خجل 1444هـ مع أننا نقر في مناهجنا وكتبنا وتاريخنا أن هجرة الرسول حدثت في 621م. كيف لها أن تكون كذلك والرياضيات تفضحنا، بعملية طرح بسيطة:   2022م ــ 621=1401ه، إذن، نحن في سنة1401 ه، بالتقويم الهجري، فمن أين جاءت 1444؟

1444ــ 1401=43 سنة فرق بين السنة الحــــــــق والسنة الباطل من أين جاء هذا الفرق المهول، والذي لا يهمنا ولا نلقي له بالا ؟؟ هذا الإختلال سببه إلغاء شهر النسيء..

شهر النسيء والأشهر القمرية العربية

  وفق التقويم الذي نحن عليه، تتحرك الأشهر القمرية فتعود إلى الوراء أحد عشر يوماً كل سنة شمسية، فالسنة الميلادية الشمسية تعتمد على دوران الأرض حول الشمس وتستغرق 365,25 يوم، أما السنة القمرية الهجرية تعتمد على دوران القمر حول الأرض وتستغرق 29,5 يوم لمدة 12 مرة فتكون 354 يوما فقط، أي أقل من أيام السنة الميلادية ب 11 يوما..  وهذا غير منطقي، ولا يوجد تقويم  شهوره لا ترتبط بفصول السنة، أو تتحرك لهذه الدرجة.

تعج مراجع التاريخ العربي بالحديث فيما كان يسمى بشهر النسيء،  وقد كان النسيء يستخدم فيما قبل الإسلام لضبط مواقيت دخول وخروج مواسم الفصول الأربعة بالنسبة لمن كان يستخدم السنة القمرية، فيكون هنالك توازن دائم لفصول الزراعة، ومع رحلات الشتاء والصيف، والتناسق في ذلك مع السنة الشمسية، وذلك لردم الفارق بين السنتين، والذي يبلغ حوالي 11 يوما من كل سنة، فيتم بذلك تلافي أن تأتي فصول السنة القمرية الهجرية على غير مسمياتها، ووفق تسميات الأشهر القمرية هناك دلالة على توقيتاتها  فيكون الربيع ربيعا، و جمادى هو شهر جماد الحبوب في سنابلها، ورمضان هو شهر المطر بعد الحر الشديد، أي أن رمضان كان ثابتا في شهر أكتوبر حين يتساوى الليل والنهار تقريبا في كل الكرة الأرضية، ويصوم الناس عدد ساعات واحد في جو لطيف مقبول.. والحج في فصل الشتاء، ومع نهاية السنة الشمسية، ويصبح شهر ذي الحجة في شهر ديسمبر، حيث يكون الجو مناسباً جداً للحج، وتوافق الأشهر الحرم موسم توالد الطيور، ونفهم بالتالي قوله تعالى  {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (الشرح 5).  ولكي يعالج عرب الجاهلية ذلك الفارق، فقد قاموا بزيادة شهر سموه بالنسيء، وكانوا يضيفونه لنهاية السنة أو بعد كل ثلاث سنوات عربية، بغرض سد الفارق بين السنة القمرية، والسنة الشمسية، بمعدل 11 يوما للسنة، وما يقارب 33 يوما لكل ثلاث سنوات، يضاف لسنواتهم، فتظل المواسم الزراعية والدينية والتجارية ثابتة في مواعيدها، ولا تختلف السنة القمرية عن الشمسية، وتأتي الفصول في مواطنها الطبيعية.  ويتم ذلك بإضافة شهر النسيء، وهو شهر يضاف كل 32 شهر قمري، ولا يغير عدة الشهور، كإضافة يوم في السنة الكبيسة تماماً، وإنما يعيد التقويم إلى موضعه، والعرب  قبل الإسلام وبعده كانت تعتمد شهر النسيء لتصحح الفرق بين السنتين (تقومه)، ويكفي مراجعة بعض التواريخ للحوادث الكبرى كمعركة اليرموك مثلاً ليجد الباحث صحة ذلك. ومثل هذا العمل هو ما يتم ضبط السنة الشمسية به في التقويم الميلادي، حيث يتم إضافة يوم لكل رابع سنة، وبما يسمى بالسنة الكبيسة، مما جعل سنوات التقويم الميلادي تتساوى في كل مكوناتها.

تحريم النسيء

 في أواخر عهد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلامية، أصبحت بعض قبائل الجزيرة العربية تتلاعب بأوان ومعاني ذلك الشهر، حتى يتمكنوا من تأجيل أو منع حلول بعض الحروب، باعتبار أنها تقع في الأشهر الحرم (ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، ورجب)، فنزلت الآية الكريمة «إنما النّسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله»،(التوبة 37) فنفهم منه أنه يضل الذين كفروا، حيث كانوا يتحايلون فيضيفونه عاماً ويتركونه عاماً وفق مواسم التجارة والحج.

في عهد عمر بن الخطاب، حرم المسلمون وجود شهر النسيء، واقتطعوه كليا من التقويم الهجري، فأصبحت السنة الهجرية تنكمش طولا عن السنة الشمسية، واختلفت فيها مواعيد الفصول، فأصبحت شهور الربيع تأتي في منتصف الشتاء، وشهر رمضان يتجول في مواعيده من عز البرد، إلى عز الحر، كما أن موسم الحج لم يعد مستقرا في منتصف الشتاء، وتأتي بعض مواسمه في عز القيظ. فإذا كان رمضان متحركا كما هو الحال عندنا، فكيف أن أصوم في أماكن من الأرض النهار فيه عشرون ساعة؟ وأثبت علماء كبار مستشرقين أن الرسول كان يصوم رمضان في أكتوبر وهذه حقيقة تاريخية بنسبة فاقت خمسة وتسعون بالمئة. نحن نصوم في الوقت الخطأ ونحج في الوقت الخطأ ونعيش دوامة أخطاء بفضل تقديس تقويم عمر بن الخطاب..

 لكون السنة الهجرية تسبق السنة الميلادية بشهر كل 32 شهر، وتسبقها بسنة كل 32 سنة وتسبقها بتسع سنوات كل 300 سنة.. يحدث الانحراف نظرا لتوقف النسيء في التقويم الهجري واستمراره في التقويم الغريغوري الغربي. وعليه فالمدة السنوية التي تفصل السنة الهجرية عن الميلادية، ستبقى في تآكل مستمر، لأن السنة الهجرية يسبق خروجها دائما خروج السنة الميلادية. وباستمرار هذا السبق ستتآكل 621 سنة التي تفصل الهجري عن الميلادي وذلك بمعدّل سنة واحدة كل 32 سنة. وسيأتي زمان ينتفي فيه هذا التفاوت بين الهجري والميلادي فيتساويان. وباستمرار السبق للسنة الهجرية في الخروج، سيأتي رمضان مرتين في السنة خلال العام الميلادي 2030 الأولى: 5 /01/2030 والثانية: 26/12/2030 أكثر من ذلك ستتجاوز السنة الهجرية نظيرتها الميلادية، وبذلك استعدَّ لأن تضحك ملء شدقيك: ستصبح بعثة الرسول محمد قبل ميلاد المسيح عيسى!  سيصبح الإسلام قبل المسيحية ! وعندها كيف ستقرون بالخاتمية صفةً للإسلام وتأريخكم يقول العكس؟

 سيقولون حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا،  أولو كان آباءهم لا يعلمون شيئا ؟

ابراهيم اوزيد

اضف تعليق