23 نونبر 1957: عندما اضطر الإسبان إلى مص النباتات وشرب بولهم !

     عندما تم إعلام الجنرال فرانكو بأن ميليشيات جيش التحرير شنت هجوما عاما على سيدي إيفني، أمر الأميرال كاريرو بلانكو، الذي كان حينها وزير رئاسة الجمهورية، بتجنب حمام دم قد يؤدي إلى قيام الحرب مع المغرب. كتب كاريرو إلى الحاكم العام في تلك الفترة رامون دي سانتايانا باردو.. «نحن مهتمون بالحفاظ على أراضينا دون خلق صعوبات في علاقاتنا مع الرباط وينبغي علينا وضع حد لجيش التحرير دون الوصول إلى حالة حرب وبسياسة نشطة من الاحتقار”.

هكذا يتذكر الإسبان معركة آيت باعمران

   في موقع على تل جبلي، عانى الإسبان الأمرين لمدة ستة أيام يشربون فيها بولهم ويمتصون النبات. هكذا بدأت الحرب الأخيرة التي شنتها إسبانيا على المغرب. وقعت الحرب على مشارف سيدي إيفني على الساعة الرابعة إلا ربع فجر يوم 23 نوفمبر من سنة 1957. وبأمر من فرانكو، لم يتم إبلاغ الرأي العام أبدا بأبعاد هذا النزاع الذي اندلع في الصحراء وتسبب في مقتل 198 شخصا و574 جريحا و80 مفقودا من بين الجنود الإسبان الذين كانوا يحمون المستوطنات. كما أسفرت الحرب عن عدد غير محدد من الضحايا بين المغاربة الموالين لجيش التحرير الذين كانوا يحاولون إجلاءهم. حينها كانت إيفني وجهة مطلوبة من قبل العسكريين المحترفين. كما أن استقلال المغرب الذي تم الإعلان عنه سنة قبل ذلك، ترك الآلاف من الأيتام من المغاربة. وكالدكتاتور نفسه، وجد أولئك الجنود الإسبان في البلد المجاور طريقا سريعا لتعزيز ومضاعفة رواتبهم مقارنة بتلك التي يتقاضاها زملاؤهم في شبه الجزيرة، كما حظوا بهيبة ومكانة اجتماعية لا يمكن تصورها في العاصمة مدريد. ومع انتهاء الحماية في شمال المغرب وطردهم من الريف ومنطقة جبالة، لم يبق لهم سوى سيدي إيفني والصحراء لمواصلة استمتاعهم بمجتمع خاص بهم، وأصبحت المستعمرتان الاثنتان المنسيتان ملاذا أخيرا لهم.

بين الجبال الحمراء

   كانت صحراء مأهولة بأقل من مئة ألف من الرحل، حيث الرمال والريح العاتية تقلق بمرارة تواجد الإسبان. ولكن إيفني كانت ذات جمال غريب بجبالها العالية الحمراء المغطاة بنبتة الصبار الأخضر اللامع والمسقية بمياه العديد من الجداول. فالمنطقة ذات ال1.700 كيلو متر مربع (ما يعادل ثلاث مرات مدينة مدريد)، تضرب بجذورها في جنوب أكادير. والمحيط الأطلسي الذي يغطي 60 كيلومترا من الساحل يعمل على التخفيف من وطأة حرارتها. عند اندلاع القتال، كان يقطنها 50.000 نسمة، 18 في المائة فقط من بينهم كانوا أوربيين: مسؤولون عسكريون ورجال الأعمال وعائلاتهم. أما الباقون فكانوا من المنتمين إلى قبيلة آيت باعمران، الذين ساهموا 20 سنة قبل ذلك في حرب فرانكو الصليبية.

لم يكن الإسبان قد أمضوا وقتا كبيرا في سيدي إيفني. وإن كان وجودهم من الناحية النظرية، يرجع إلى خمسة قرون، فإنه لم يتعزز إلا قبل 13 سنة من اندلاع الصراع. في سنة 1934 أوكلت حكومة الجمهورية الإسبانية إلى الكولونيل أوسفالدو احتلال المنطقة. وهو نفسه من قام باختيار المكان الذي ستشيد فيه مدينة سيدي ايفني، التي سرعان ما أصبحت عاصمة إفريقيا الغربية الاسبانية. كانت تقع فوق هضبة على حافة المحيط وحول المطار. كان الشارع الرئيسي، حيث مكاتب البريد، والسينما والمتاجر الرئيسية، تبد علامات الانقسام بين سكانه: فمن جهة، توجد منازل الأوروبيين، ومن جهة أخرى الحي المغربي (باريو مورو). كانت المواقع العسكرية القوية متفرقة داخل الإقليم التي أحاطها السكان بخيامهم أو بمنازلهم التي كانوا يشيدونها. وكانت الخيوط الوحيدة التي باستطاعتها ربط الاتصال بين تلك المواقع العسكرية والعاصمة هي خيوط الهاتف.

-يتبع-

اضف تعليق