27 أكتوبر1927: زيارة السلطان مولي يوسف الى “تالعينت”

    تندرج زيارة السلطان مولي يوسف الى تيزنيت وآيت جرار ضمن سياسة التهدئة التي اتبعتها فرنسا في سوس إبان فترة الحماية. فقد كانت سياسة المقيمين العامين تجاه السلطان تقضي بإحاطته بكل مظاهر التعظيم والتوقير، وتكريس عادة التنقلات السلطانية التقليدية لتفقد أنحاء البلاد، وما يصاحبها من مظاهر الأبهة وإشعاره بمكانته والتي لا تتعدى في الحقيقة سوى المظاهر. خصص الفرنسيون ميزانية مهمة للزيارات السلطانية للاستفادة منها في تغذية وهم استمرار السلطان في احتفاظه بكامل سلطاته، وشددوا على عدم استغلال رجال المخزن لهذه التنقلات في ابتزاز القبائل كما جرت العادة في الماضي لكي لا يفسدوا عليهم أمرهم..[1] في أكتوبر 1927 تمت زيارة مولي يوسف الى كل من تيزنيت وايت جرار بإيعاز من الفرنسيين، الذين أحاطوا الزيارة بكل ما يليق بها من مظاهر التقدير والاجلال على اعتبار أن أولاد جرار كانت من القبائل الأولى، التي انضمت الى الفرنسيين مثلما كانت من القبائل المعروفة بولائها الدائم للمخزن في المنطقة، لكونها مركز حلف “تاحگات” الموالي للمخزن والمناهض لحلف “تاگيزولت” الموالي لآل بودميعة ومركزه إيليغ.

 بسبب وفائها للمخزن، تحملت ايت جرار الكثير من القبائل المحيطة بها والتي كانت موالية للشيخ احمد الهيبة بن ماء العينين ومن بعده لأخيه مربيه ربه، من لاخصاص وامجاض وايت رخا وايت بعمران وغيرها، لكنها في المقابل، استغلت قربها من المخزن لاستصدار ظهائر مخزنية تخولها بسط سيطرتها على القبائل المجاورة وبالتالي استغلال خيراتها وفرض السخرة على سكانها كما هو الحال مع إغيرملولن وآيت براييم وحتى قبيلة تجاجت.. ففي عهد سلف السلطان المولى يوسف (شقيقه مولي عبد الحفيظ بن الحسن الأول)، “استرجع القائد عبد السلام بن محمد بن علي الجراري (قتل في دجنبر 1912) أهل ايغيرملولن الى إخوانهم أولاد جرار من يد الحسين اوهاشم بعدما تولى القيادة. “فقد رفعت القضية الى السلطان وتولى قراءة ظهيره سيدي الحاج الحسين الايفراني في مجمع كبير في ايغيرملولن فجدد السلطان لصاحب الترجمة (عبد السلام بن محمد بن علي الجراري) بأمر من سيدنا نصره الله (مولي عبد الحفيظ) ظهير القيادة على أولاد جرار وآيت براييم وآل “الذراع الأبيض” (ايغيرملولن) وتجاجت (فخدة من مجاطة) فسرحه في الحين فرجع لداره مسرورا سالما”..[2] وإن كانت تجاجت لم تخضع في آخر المطاف للجراريين، لأن الظهائر وحدها لا تكفي ما لم تسندها قوة على أرض الواقع..

ولتشجيع قبيلة آيت جرار على استمرارها في ولائها للمخزن، وجزاء لها على وفائها واعترافا بما أسدته من جميل وما قدمته من خدمات، وتنويها بأعمالها، وإضفاء الشرعية على مسلكها، أرسلت الحماية الفرنسية السلطان مولي يوسف لزيارتها، حتى تجعل القبائل الأخرى تحدو حدوها وتنضم الى المخزن.. كما شجع الفرنسيون زعيم القبيلة القائد عياد بن محمد الجراري على الاستمرار في ولائه للمخزن.. وصف الاكراري زيارة مولي يوسف الى أولاد جرار ومركزها تالعينت كما يلي: “في زوال اليوم الثاني من جمادى الأولى 1346ه(27 أكتوبر1927) جاء السلطان مولي يوسف لعين بني جرارة في 14 (تمّوبيل) بأولاده وكبار الحكام”..[3] وبعد أن تناول السلطان طعام الغذاء في رياض “تالعينت” وشح صدر القائد عياد بن محمد الجراري بوسام العرش، تقديرا وعرفانا لما يبذله من أجل فرض سيطرة المخزن في المنطقة.. وكان لهذه الزيارة ما بعدها من توفير الظروف للجيوش الفرنسية لاجتياح المنطقة واحتلالها بصفة نهائية..

يصنف المؤرخون[4] زيارة مولي يوسف الى سوس وايت جرار بشكل خاص ضمن الاستعدادات التي قامت بها فرنسا لاستكمال الاحتلال النهائي لسوس، خصوصا أن القوات الفرنسية الموجودة في المغرب كانت كافية للقيام بالمهمة، بعدما أنهت مهمة القضاء على ثورة عبد الكريم الخطابي وصارت في عطلة قبل رجوعها الى فرنسا، غير أن المسؤولين الفرنسيين رأوا فيها فرصة لاستكمال الاحتلال النهائي للمغرب..

[1]  عبد الحميد حساين، الادارة المركزية في عهد الحماية الفرنسية 1912-1944 الطبعة الأولى 2015 مطبعة الرباط نت، ص: 88

[2]  المختار السوسي، المعسول، ج: 19 ص: 160

[3]  محمد بن احمد الاكراري، روضة الافنان في وفيات الاعيان، تح حمدي أنوش، ط الاولى، ص: 104

[4]  عبد الله كيكر، ثورة الشيخ احمد الهيبة الجزء الثاني، الطبعة الاولى، 2017 مطبعة الرباط نت، ص:60

اضف تعليق