الخميس الأول من أكتوبر الفلاحي: “المعروف” السنوي للشيخ سيدي أحمد السگرادي

     تنعقد المواسم السنوية في سوس بعد انتهاء فترة الحصاد وقبل حلول موسم الحرث، حيث يستغل السوسيون فترة انتهاء الموسم الفلاحي لتنظيم المواسم السنوية، التي تعد فرصة لتصريف فائضهم من المنتوجات الفلاحية ومن البهائم واقتناء حاجيات الموسم الفلاحي المقبل، مما يجعل مواعيد تلك المواسم السنوية تنعقد في مواعيد قارة كل سنة: أواخر فصل الصيف ومطلع فصل الخريف…  بدوره لا يشد موسم الشيخ سيدي حماد السكرادي، الذي ينظم بدوار يحمل نفس الاسم بقبيلة ايغيرملولن التابعة لجماعة الركادة بضواحي تيزنيت، عن هذه القاعدة، إذ ينعقد في الخميس الأول من أكتوبر الفلاحي من كل سنة، أي قبل بضعة أيام من حلول موسم الحرث الذي ينطلق عادة يوم 17 أكتوبر الفلاحي..

يعود تاريخ الاحتفال بموسم سيدي حماد بن محمد السكرادي الى زمن قديم، وهو تقليد سنوي حافظ عليه أبناء وحفدة الولي من الشرفاء السكراديين منذ مئات السنين، استحضارا لأدواره الجليلة في تثبيث الشريعة الاسلامية السمحاء، باعتباره قطبا صوفيا ومن الأعلام الأجلاء في سوس قاطبة..

الزمان

     ينعقد الموسم السنوي للشيخ سيدي حماد السكرادي في الخميس الأول من شهر أكتوبر الفلاحي، وهو التقويم المعتمد في تحديد تواريخ مواسم الحرث والزرع والحصاد كل سنة بما في ذلك مواعيد المواسم الدينية بسوس، لأن التقويم الفلاحي يختلف عن التقويم الهجري بكونه مضبوط ودقيق وتابث لا تتغير مواعيده من سنة لأخرى.. ويلاحظ أن تاريخ انعقاد موسم الشيخ السكرادي يتزامن مع موسم سيدي بوعبدلي ويفصله أسبوع واحد عن موسم ايمجاض في سيدي أحمد أوموسى، بتازروالت..

  حسب ترجمة الشيخ السكرادي، فإنه توفي يوم الخميس الأول من رمضان 1067هجري، الموافق 14 يونيو1657 ميلادي، ولا ندري لماذا تم اختيار الخميس الأول من شهر أكتوبر الفلاحي، لتخليد الموسم الديني السنوي للشيخ السكرادي، ونرجح أن تخليد الموسم الديني تم بعد مرور عدة سنوات على وفاة الشيخ السكرادي، على غرار بعض المواسم الدينية الشهيرة في سوس ومنها “تعلاط”، الذي بدأ تنظيمه بعد مرور 45 سنة على وفاة فاطمة تعلاط..

ويتضح بعد إجراء عملية حسابيةـ بإزاحة موعد الذكرى السنوية للوفاة بمدة 11 يوم (أي الفرق بين السنة الهجرية والميلادية)، أن ذكرى وفاة الشيخ السكرادي وفق التقويم الهجري تزامنت مع موعد الموسم الديني بالتقويم الفلاحي  لأول مرة في العام 1084ه (موافق 1672م)، وهي السنة التي بدأ فيها تخليد ذكرى الوفاة، وبعدها بقي تاريخ انعقاد الموسم السنوي تابثا الى اليوم، مما يوصلنا الى استنتاج أن تخليد الموسم الديني في موعده الحالي تم بعد مرور 15 سنة على الوفاة..

المكان

   كغيره من المواسم الدينية والتجارية السوسية، ينعقد الموسم السنوي للشيخ السكرادي بجوار الضريح، أي في مكان مقدس وله حرمته ولا تنتهك خصوصيته..  فاختيار مكان الموسم قرب الولي وحمله لإسمه هو ضمانة إضافية لحماية الموسم في تكاثف للقانون الوضعي والقانون الإلهي عسى أن يتحقق الأمن، ولهذا نلاحظ أن جل المواسم تقام عند أمكنة الصلحاء، نظرا لكثرة احتمال وقوع العنف داخل السوق وإبان انعقاد المواسم لكثرة أسباب السرقة والغش، خاصة أنه فرصة لاجتماع أناس من مختلف الانتماءات القبلية، ولغياب التعارف بينهم، تكون هناك كثرة أسباب نشوب الخلافات وارتكاب الجنايات. فالقانون الوضعي العرفي يعجز عن توفير كامل الحماية ويلجأ الى حماية ربانية والمقدس لتوفير الأمن. فمن لم يخف من انتقام البشر قد يخاف من انتقام الله من خلال أوليائه، الذين يجلبون السخط وسوء العاقبة والمصير لكل من انتهك حرمتهم بالإقدام على عمل مشين في حرمهم….[1]

برنامج الموسم الديني

   يمتد تخليد الموسم السنوي على يومين (الخميس والجمعة) وان كان الاحتفاء اقتصر في الآونة الأخيرة على يوم واحد هو يوم الجمعة.. وهكذا يخصص اليوم الأول أي يوم الخميس لطقس نحر الذبيحة قرب ضريح الشيخ السكرادي وهي عبارة عن ثور سمين، يتم ذبحه وتوزع لحومه بشكل عادل وموحد على سكان الدواوير التي يستقر فيها الشرفاء “ايگرامن” من سلالة الشيخ احمد بن محمد، حيث يتولى حفدة الشيخ السكرادي مهمة طبخ طبق الكسكس وإحضاره وتقديمه في اليوم الموالي كطعام رسمي في “المعروف”.. وتسمى كمية اللحم التي يتم توزيعها بالتساوي “لوزيعت”، وتتراوح كتلة الحصة الواحدة ما بين 750 غرام وكيلوغرام ونصف حسب وزن الأضحية التي تم نحرها في الموسم، وعادة ما يتم اقتناؤها من موسم ايمجاض بتازروالت من طرف الشرفاء السكراديين..

 يستمر التخليد في اليوم الموالي أي الجمعة، حيث يستهل البرنامج بزيارة ضريح الشيخ سيدي حماد السكرادي، حيث تتلى آيات بينات من الذكر الحكيم، ويرفع الدعاء الصالح على روحه الطاهرة.. وبعد أداء صلاة الظهر في المسجد المجاور للضريح، يقرأ الفقهاء وطلبة المدرسة العتيقة السكرادية بعض الأحزاب من القرآن الكريم بشكل جماعي أو ما يعرف محليا ب”تحزابت”، تليها الأمداح النبوية خصوصا قصيدتي: “الكواكب الدرية في مدح خير البرية” الشهيرة باسم “البردة” للشاعر محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي البوصيري  وقصيدة “الهمزية” لمؤلفها الإمام الشيخ شرف الدين أبي عبد الله محمد البوصيري.. كما يتخلل الفترة الفاصلة بين صلاتي الظهر والعصر، إلقاء دروس الوعظ والإرشاد من طرف الفقهاء من أبناء المنطقة، غالبا ما تتخذ شكل تفسير أجزاء من بعض كتب الحديث، خصوصا “الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسننه وأيامه”، الشهير بِاْسم  “صحيح البخاري” للإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري.. وبعد أداء صلاة العصر ينتقل الحاضرون الى  ساحة فسيحة بجوار الضريح، حيث يتناولون وجبة الغذاء ضمن مجموعات محددة، وهي عبارة عن كسكس بالخضر واللحم الأحمر.. وجرت العادة أن يجلب الحاضرون خلال رحلة العودة الى الدواوير، كميات معينة من الكسكس الى ذويهم وأقاربهم الذين تعذر عليهم الحضور، لتقاسم طعام “المعروف” وبركة الولي الصالح على سائر أفراد القبيلة،  خصوصا أن “لطعام الذبيحة قدسية توازي تلك التي يشترك فيها أبناء المجموعة في مناسبات معينة سواء إبان زيارة ضريح أو “المعروف” أو غيره من المناسبات، ف”المعروف” باعتباره عادة لتشارك لحم الأضحية-الذبيحة- في مناسبات معينة داخل السنة له دور مهم على المستوى الديني والرمزي والمادي..[2] وبعد تناول الطعام، يتسمر الحاضرون في أماكنهم الى حين ختم الدعاء من طرف فقيه القرية، الذي ينتدب أحد الرجال ليلعب دور “المسمع”، ويوصل صدى الأدعية الى كل الأرجاء مما يسمح لجميع السكان كبارا وصغارا ذكورا وإناثا، بمتابعة آخر فقرة من برنامج الموسم الديني السنوي..

بقيت الإشارة أن بناية ضريح الشيخ سيدي حماد السكرادي، خضعت لعملية صيانة وترميم مرتجلة في العام 2015 وذلك باستعمال مواد بناء حديثة عوض مواد البناء المحلية، مما انعكس سلبا على الطابع العمراني الأصيل لبناية للضريح، اذ تم تدمير قوس المدخل ونزع الباب الخشبي المزين بزخرفات جميلة وعوض بباب عادي من صفائح الحديد..

يعد الموسم السنوي مناسبة لتكريس القيم الروحية وإحياء الشعائر الدينية ونسج صلة الرحم وفرصة للتلاقي بين أبناء القبيلة القادمين من مناطق مختلفة من جهة وبين الشرفاء السكراديين من سلالة الشيخ سيدي حماد بن محمد السكرادي المنتشرين في مدن مختلفة ببلادنا خصوصا بالحوز وسوس وسهل “أزغار” من جهة أخرى..

ابراهيم اوزيـــــد

[1]  رحال بوبريك، زمن القبيلة: السلطة وتدبير العنف في المجتمع الصحروي”، دار ابي رقراق، الرباط، ط الثانية، 2019 ص: 87

[2]  حول هذا الموضوع نحيل على دراسة حسن رشيق:

Rachik, H., Sacré et sacrifice dans le haut Atlas marocain, Afrique-Orient, casablanca,1990

اضف تعليق