على امتداد الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام للبلاد، ظل منصب وزير المالية موضع جاذبية، بل إن الملوك والسلاطين المغاربة على مر التاريخ، اعتبروه المنصب الأكثر مدعاة لجرعات الثقة اللازمة، مقارنة مع بقية المناصب الحكومية، فهو الخازن العام تارة والواقف على مال بيت المسلمين تارة، والآمر بجمع الجبايات وصرف نفقات الدولة. ومنذ حصول المغرب على الاستقلال ظل هذا المنصب حكرا على أهل فاس دون سواهم من المغاربة، مع بعض الاستثناءات القليلة التي لا تبرر القاعدة. حين أسند المنصب إلى وزير من أصول أمازيغية، مر من وزارة المالية مرور الكرام ويتعلق الأمر بالسيد محمد ساگو، الذي تولى المنصب لمدة تسعة أشهر وبالتحديد من 11-11-1993 الى 15-07-1994
كان منصب وزير المالية محجوزا لمن لهم أصول فاسية، رغم أن أهالي سوس هم الذين ارتبطوا في أذهان المغاربة بإجادة الحساب، فنجحوا في تجارتهم التجارية وكانوا مضرب المثل في التدبير والترشيد المالي. كان ساغو هو الأمازيغي الذي تسلل إلى وزارة المالية دون أن ينتبه إليه محمد كريم العمراني، الذي اختار التشكيلة بإيعاز من الملك، قبل أن يستدرك «الخلل» وينهي مقام ساغو على رأس مالية المغرب، بعد بضعة أشهر فقط من الاستمتاع بوجاهة الوزراء. رغم أن الوزير المتحدر من تافراوت لم يكن يتلقى راتبا من الحكومة، أو أن قصر فترة استوزاره لم تكن كافية لوزارته بإنهاء مسطرة صرف راتب الوزير. لقد جاء تعديل وزاري سريع أعاد الأمور إلى نصابها العرقي، وتبين للجميع أن صفة وزير المالية ستظل حكرا على الفاسيين منذ عبد القادر بن جلون في أول حكومة قادها مبارك البكاي، إلى عهد نزار بركة سليل أسرة الفاسي الواسعة النفوذ، والذي عين وزيرا للاقتصاد والمالية في حكومة يرأسها عبد الإله بنكيران.
على امتداد ثلاثين حكومة، ظل الشأن المالي حكرا على أهل فاس، وحين منحت «لمكناسي وشلح وعروبي» سلطة المال، ترتب عن القرار لغط كبير، ولم يتنفس الفاسيون الصعداء إلا بعد أن استعادوا المنطقة المالية المتنازع حولها، ونجحوا في “الفيتو”، بل إن كثيرا من المناصب الخاصة بهذه الوزارة قد تم تداولها بين الأهل والأقارب، وكأن مدينة فاس تخصصت في إنجاب وزراء المالية.
عن “الأخبار” بتصرف
اضف تعليق