القائد عياد الجراري: باني تالعينت وجوهرة قلادة عائلة بورحيم

    عياد بن القائد محمد بن علي بن عبد الرحمان بن مبارك بن بورحيم.. ولد سنة 1299ه (1881) بتالعينت، تربى في كنف ابن عمه القائد عبد السلام، وأصبح خليفته، ثم قائدا على آيت جرار..[1] كان عياد بن محمد خليفة للقائد عبد السلام قبل أن يتولى رئاسة أولاد جرار بعد قتل القائد عبد السلام من طرف أحمد الهيبة في 28 ربيع النبوي 1332ه1914م).

جاء في أول ترجمته في المعسول: هذا هو كبش هؤلاء القوم (آل بورحيم) هو الذي مدن (تالعينت) وهو الذي اكتنز وقاد الحضارة باختيار الأواني والفرش، وكل ما في إمكانه من الأثاث، وجعلها )تالعينت) مركزًا لأهل العلم والأدب، وملتجئًا لأهل الصحراء الذين أولع بمجالستهم[2]..

قائد مولع بالمتصوفة والأدباء

كانت أولاد جرار ومركزها تالعينت مركز مخزنيا قديما، استقطبت علماء كبار وفقهاء عظام كانوا يجتمعون إلى قائدها عياد الجراري، الذي أسس مكتبة غنية وحث العلماء على التأليف، واعتنى بِجمع كلما أمكن من الكتب إليها، وكان معنيّا بِها حتى أن مفتاحها لا يفارق طوقه، ولَم أرها، وإنَّما ذكرت لي بأكثر من ألف مُجلد..[3]فكان السبب في صدور عدة كتب، تعد من المصادر الأساسية لتاريخ سوس السياسي والثقافي والاجتماعي المعاصر، منها كتاب “الروضة” لمحمد بن احمد الإكراري وكتاب “تحلية الطروس في ذكر رجالات سوس”، لعلي بن الحبيب السكرادي.. وكان القائد عياد أنبل أهل السوسيين من هذه الجهة في عصره. فقد حث المؤرخ الايكراري حتى جمع من التراجم القصيرة ما جمع. ثم حت المترجم ( علي بن الحيبيب السكرادي) على أن يتعقبه في الذي يبدو له في النيل من بعض من ترجمهم. فألف أيضا هذا المجلد الضخم (تحلية الطروس في ذكررجالات سوس). فكان الفائز لا القائد عياد وحده، بل فاز معه كل السوسيين بالإشادة بعلمائهم. وهل كان القائد محمد بن إبراهيم التيوتي والاكلاوي والمتوكي والقائد العيادي فكروا في مثل هذا قط.. فلهذا جزى القائد عياد بتخليد أخباره كلها.[4]

 كما عرف عنه اهتمامه بالمتصوفة، اذ صاحب الشيخين الشيخ التاموديزتي والشيخ الإلغي والفقيه سيدي الحاج الحسين الإفراني وسيدي عبد العزيز الأدوزي وأمثالهم من العلماء الكبار، ممن يعرف بهم كيف يذوق الإلتجاء الى الله إن ضاقت به السبل..[5]

قائد لا يحني هامته

عرف عن القائد عياد “أنه لا يرضى لعلو همته أن يحنى هامته للذين تجعلهم الحكومة في تيزنيت بعد الاحتلال، ويرى أنه قائد رسمي، فلذلك جرى له مع الكنتافي في ما تقدم..[6] ففي عهد عياد ظهر التنافس بين القرى لإضفاء الطابع الحضري على هيأتها، بشكل جلي في تسوير “تالعينت” ونعتها بمدينة صغيرة، كنوع من النزاع الخفي مع تيزنيت، بل توجهت تالعينت نحو محاكاة مراكش، بإنشاء صهريج محاط بمنتزه بالركادة..[7]نازع القائد عياد الجيراري في المطالبة بحكم تيزنيت، بعد إعفاء القائد الكنتافي في 22 يونيو1921 لكن المخزن قام بتعيين مولي الزين خليفة للسلطان على تزنيت يوم 6 غشت 1921 ولم يلتفت الى مطالب عياد، ربما لأن المخزن لا يثق في نوايا الجراري المعلنة والمضمرة..

يختلف عياد اختلافا جذريا عن سلفه القائد عبد السلام، فإذا كان هذا الأخير “لينا هينا فقد قيل أنه لم يزد في أملاكه، الموجودة إلا بستانا واحدا يسمى “جنان موسى”[8]فإن خلفه “عياد هو الذي يبرم وينقض، ويغرم ويسجن. وهو الذي بسط يده لتأثيل الأملاك والأموال..[9]وهو الذي يستخدم الناس في خدماته، فيأتي العامل بقفته وبمعوله، وبكل ما يتوقف عليه حتى بمئونته ليؤسس تلك الأبنية الفاخرة، أو ليؤسس الصهريج الكبير في (الركادة)،[10] ونظرا لميل عياد وشهوته الفائقة الى التملك، فقد انتهت معظم نوبات الماء بعين “حسون” بتالعينت في ملكيته ونفس الشيء بالنسبة الى عيون أخرى بالمنطقة الخاضعة لنفوذه، مما أدى الى تركيز ملكية الماء والأرض في عائلة بورحيم دون غيرهم.. لهذا عرف عين “حسون” تركيزا قويا للملكية المائية، إذ أن القائد وأقاربه يمتلكون نسبة: 88 ,10 في المائة من نوبات الماء، فيما تمتلك باقي العائلات نسبة: 11,90[11] في المائة. بعدما كانت عائلة القائد لا تمتلك سوى فرديتين خلال ق 19[12] وما راكمه القائد ناتج عن اعتماد سياسة القوة والقتل والشراء خلال ممارسة السلطة السياسية[13] ولم يكتفي القائد بالهيمنة على نوبات عين “حسون” فقط، بل تمكن من شراء الأنصبة المائية لبعض الزوايا بمجال نفوذه، كتمكنه من الحصول على ثلث نوبات تلك العين من “ايسگراد”..[14]  وهذا يطرح عدة تساؤلات بخصوص دواعي بيع هذه الممتلكات القيمة، في ظرف اتسم محليا بشدة ندرة مياه التساقطات المطرية: فهل كان “السكراديون” يخشون ضم أملاك زاويتهم الى غدارة الأحباس، خصوصا بعد علمهم بمصير ممتلكات بعض زوايا المنطقة؟ أم أن سطوة وقوة القائد عياد كانت حاسمة في الاستيلاء على تلك الموارد المائية؟[15]

   استمر القائد عياد بن محمد في منصبه بيد من حديد الى أن عزل سنة1933[16] بعدما اتهمه الفرنسيون بأن له يد مع بعض أهل الجبال، يؤيدهم سرا بالمال والسلاح، ليقاوم عدوه القائد المدني الاخصاصي. “وقد كان ما بينه وبين القائد المدني منتكث الجبال، فكان يداخل أعدائه في الإيالة المجاهدة كالقائد مبارك البنيراني يسرب إليهم المال وذخائر الحرب ليقاوموا المدني فكان ذلك هو السبب الحقيقي حتى نفي واعتقل..[17] وذكر ابن الحبيب تفاصيل دقيقة عن نفي القائد عياد كما يلي: “حمل الى ميدلت ومكث بها عشرة أشهر ثم حمل الى الرماني ببلاد زعير ومكث بها ستة أشهر ثم تحول منه الى الرباط ومكث بها شهرين ثم تحول الى الجديدة ثلاثة أعوام وعزل عن  العمل..[18] لم يعد (عياد) الى تالعينت إلا قبل أسبوع من وفاته، توفي في 18نونبر 1942[19]

  بالنظر الى الإنجازات المحققة والتحديات المربوحة على أرض الواقع، يمكن اعتبار فترة القائد عياد الجراري قمة توهج حكام تالعينت من عائلة بورحيم،  وهذا ما جعل السوسي (المختار) يميز القائد عياد عن بقية أولاد بورحيم قائلا: “لم يدرك أحد منهم مدركه، ولا جال في مجالاته..[20]

اضف تعليق