إيغيرملولن: الحديقة الخلفية للجراريين

    بالنظر الى القرب الجغرافي، كانت ايغيرملولن، أول منطقة تخضع لحكم الجراريين، إذ ظلت في معظم الحقب الزمنية المعاصرة، تحت سلطة القواد الجراريون من أسرة بورحيم[1] في تالعينت ومنها كانوا يحكمون الجزء الكبير من “أزغار”، بالإضافة الى مرتفعات ايغيرملولن منذ بداية القرن التاسع عشر، وهذا لا يعني أنها الوحيدة من القبائل، التي سيطروا عليها وقاموا بضمها الى مجال نفوذهم الذي امتد في فترات تاريخية سالفة الى حدود ماسة..

رغم أن الطوبونيميا الامازيغية حاضرة في أسماء دواوير إيغيرملولن، بما في ذلك الدواوير التي ترطن بالعامية الجرارية: (أگرض، الروايس، تباردة، إفغل، إيگر والوس، إيسگراد، تاكيوط، أفراو، إدوشن، تيغيسيت، أكادير أومسمار، اد الشيگير، تغزوت..) مثلما تحضر نفس الطوبونيميا في أسماء دواوير سهل “أزغار”، التي تتواصل بالعربية الجرارية: (إدغ، تدايغت، ادعلي وسعيد، إغرم، تالعينت، إيغبولا..) فأهمية الطوبونيميا تكمن في “حفظ المعلومات لأقدميتها ومقاومتها للفعل التخريبي لعامل الزمن”..[2] ورغم أن معظم سكان إيغيرملولن وفدوا من قبائل أمازيغية بالأطلس الصغير ومنهم: تاكيوط وتعني “ظفيرة الشعر”، ويسمون أيضا “آيت أومنوز”، لأنهم قدموا من أمانوز وهي الاسم العائلي المنتشر بكثرة في الدوار، ثم “العركوب” أصلهم من قبيلة “ونگيضا” نواحي تيفرميت بجماعة إدا كوكمار، وأول من نزل من إخوانهم في العركوب هو لحسن بن سليمان.. فقد سجلت مثاقفة بين الجراريين وأهل ايغيرملولن، وظهرت قواسم مشتركة بين الطرفين، خصوصا في الجانب اللغوي، إذ تنتشر اللهجة الجرارية وهي خليط بين العربية والامازيغية في العديد من دواوير المنطقة، وهو شيء عادي لكون ايغيرملولن، كانت أكثر القبائل احتكاكا مع الجراريين، وربما حصل ذلك نتيجة فرضيات هي:

  • استعراب السكان، نتيجة الاحتكاك بالجراريين الصحراويين، في المشاركة في الأشغال التي تأمر بها السلطة القيادية التي تحكم المنطقة السهلية والجبلية، وكذا بتأثير العلاقات الاجتماعية المنسوجة بين القرى الجبلية وقرى السهل عن طريق علاقات المصاهرة والزواج…
  • ثانيا توطين واستقرار بعض الأسر الجرارية بالمنطقة الجبلية، رغم أن هذا الاحتمال مستبعد لأن الأعراب الصحروايون يستقرون عادة في المناطق الخصبة المتوفرة على موارد مائية كافية كما هو الحال في سهول: أزغار، سوس..

لم نكد نباشر الاشتغال على هذا الموضوع حتى تبين لنا أنه أرحب وأغنى مما تصورناه، وأنه أدعى الى دراسة أعمق بما يتأتى معه مقاربة القضايا والأسئلة التي يعج بها، فتبقى إذن مثل هذه الإشارات السريعة على جديتها قاصرة على الإيفاء بالمطلوب..

هوامش:

[1]آل بورحـيم: أسرة جرارية راقية بسوس،وكانت في هذه الأسرة عداوة شديدة لايليغ. ظهر فيها رجالات أفذاذ طوال مائة وعشرين عاما،كانت لهم الرياسة بين القبائل السوسية وأصلهم، على ما قيل، من مياض بالصحراء، دخلوا في الجراريين.. (المعسول ج: 19 ص:149) كان علي بن بورحيم أول رؤساء الأسرة البورحيمية، نبغ بعد أبيه النكيضي وذلك سنة 1226ه (1811م)، ثم قتل نحو 1275ه (1858م). فتلاه محمد،هذا الذي وقع في يد الحسين اوهاشم سنة 1874م، وكان له شأن كبير،ثم أخوه محمد،تم تعيينه قائدا رسميا سنة 1299ه (1882م)،فمات سنة 1311ه (1893م)،فعبد السلام بن محمد (قتيل الحسين)،الى أن فتك به الهيبة ابنا لشيخ ماء العينين الشنكيطي أوائل سنة 1331ه (1912م)، ثم شقيقه القائد عياد بن محمد الى أن عزل سنة 1357ه (1938م)،ولم يدرك أحد منهم مدركه، ولا جال في مجالاته، ثم ابنه عبد الله بن عياد،الذي خلف والده في منصبه الى تاريخ الاستقلال سنة 1956.. حيث تم خلعه والقضاء عليه من طرف قادة جيش التحرير..

انظر: “ايليغ قديما وحديثا”،الحاشية الأولى، ص: 259

[2] Larbi Mezzin : le Tafilalte, contribution à l’histoire du Maroc aux 17 et 18s . publication de la faculté des lettres, Rabat, Casa, 1987,p :86

اضف تعليق