في تعامله مع البنية القبلية المحلية العتيقة والمعقدة، التي تنتظم في شكل فسيفساء من القبائل الغيورة على استقلالها وحريتها، تفتقت عبقرية المخزن في ابتكار النظام القائدي، ويرجع الفضل في إرساء معالم البنية القائدية ببلادنا الى السلطان الحسن الأول في نهاية القرن التاسع عشر..
وفي مطلع القرن العشرين، اقتفى الاستعمار الفرنسي أثر المخزن في تعامله الواعي مع البنية القبلية المغربية، حيث سار الفرنسيون على نفس النهج المخزني، وفق نظرية ليوطي التي تقوم على الحفاظ على البنيات المجتمعية القائمة، حتى أصبحت سياسة “القواد الكبار” أهم الأسلحة المعتمدة في تثبيت الهيمنة الاستعمارية وإخضاع مجالات جديدة لحكم الفرنسيين.. تعزى دوافع اعتماد الحماية الفرنسية على سياسة القواد الكبار الى حالة الحرب في أوربا أي الحرب العالمية الأولى وعدم وجود ما يكفي من القوات الفرنسية وتجنب الخسائر في صفوف الفرنسيين، مما جعل أول مقيم عام فرنسي يعتمد على القواد الكبار في عمليات التهدئة مقابل ولائهم لفرنسا وإطلاق أيديهم في قبائلهم والقبائل التي يخضعونها، يفعلون ما يشاءون.. وسبق أن اقترح العقيد “هيو” المختص في السياسة الأهلية على ليوطي سنة 1924 ان يجعل حدا لطغيان واستبداد كبار القواد بالمناطق الجنوبية، وأن يخضعهم لمراقبة صارمة، وأن يجزء مناطق نفوذهم الشاسعة، وكان ليوطي متفقا على مستوى المبدأ، لكنه أرجأ التنفيذ لكي لا ينتج عن الأمر مشاكل وعراقيل في الجنوب، إذ كان في تلك الفترة سحاب عاصفي يخيم على تخوم الشمال الريفي..[1]
ظلت نفس السياسة مطبقة حتى بعد استقلال المغرب، إذ ظلت مجالات واسعة تحت إمرة قياد كبار، بعضهم اقترحه المقاومون وجيش التحرير والبعض الآخر تم تعيينه من طرف المخزن، الذي لم يشرع في وضع حد لسياسة القواد الكبار إلا في منتصف الستينات، حيث بدأ التخلص من كبار القياد بشكل تدريجي الى أن تم القضاء نهائيا على الظاهرة المذكورة وتم تعويضها بسياسة “القياد الصغار”، الذين لا يتجاوز نفوذهم الترابي قبيلة واحدة في معظم الحالات أو قبيلتين على الأكثر..
[1] جورج سبيلمان، “المغرب من الحماية الى الاستقلال”، ص: 41
اضف تعليق