المدرسة العتيقة ايسكراد: منارة للتعليم الديني منذ خمسة قرون

تتواجد المدرسة العتيقة ايسكراد في قرية تحمل نفس الاسم بمنطقة ايغيرملولن التابعة لجماعة الركادة اقليم تيزنيت. تضم المدرسة العتيقة ايسكراد مسجدا لأداء الصلوات الخمس ومدرسة لتحفيظ القران الكريم والعلوم الدينية، تقدم خدماتها للناشئة منذ خمسة قرون من الزمن.. وحسب الوثائق المتوفرة، فإن تاريخ تأسيس المدرسة يعود الى القرن العاشر الهجري (السابع عشر الميلادي).. وقد سميت المدرسة باسم “ايسكراد” وتعني الصفوان وهي الأحجار الملساء التي تغسل فوقها الثياب، ولا يزال بعضها قائما قرب العين الجارية التي نضبت مياهها في بداية الالفية الثالثة.. غير ان الاسم الرسمي للمدرسة العتيقة اعتمد صيغة “سكرات” وهي تسمية محرفة  للاسم الامازيغي “ايسكراد”، الذي سمي به موقع المدرسة من قبل.. كما تعرف المدرسة، حسب مسؤول بجمعية التسيير، بتسمية “مو أرماس”، نسبة الى نبات كان ينبت على جنبات المدرسة العتيقة، يسمى بالامازيغية “أرماس”..

على امتداد عدة قرون ساهمت المدرسة العتيقة ايسكراد في تخريج مئات الفقهاء والعدول والأدباء.. كما بزغ صيت المدرسة بشكل خاص إبان تولي الشيخ الصوفي سيدي حماد بن محمد السكرادي، دفين الدوار الذي يحمل اسمه غير بعيد عن ايسكراد، مهمة الإمامة لتدريس الطلبة في أواخر القرن العاشر الهجري وبداية القرن الحادي عشر.. قبل أن يخلفه ولده سيدي عيسى السكرادي، في نفس المنصب، الى أن رحل الى مراكش بسبب نعرة بين أسرته وأسرة بودميعة حكام ايليغ في القرن السابع عشر الميلادي، وهناك توفي ودفن بمسجد السمارين المحاذي لساحة جامع الفنا بمراكش…

هنا درس المولى الرشيد

يذكر المؤرخون أن المولى الرشيد، السلطان الثالث في السلالة العلوية، استكمل دراسته بالمدرسة العتيقة ايسكراد، بعدما بدأها بمسجد الدهيرة حيث تلقى المبادئ الأولى للحروف وحفظ ما تيسر من سور القران الكريم.. وذلك خلال الفترة التي كان والده معتقلا لدى بودميعة في ايليغ، التي استمرت لمدة أربع سنوات، أي من سنة 1047ه/ 1637م الى سنة1051 ه/ 1641م.  ومعلوم أن تاريخ ميلاد المولى الرشيد في العام يوافق 1040ه يفيد أن عمره عندما سجن والده في ايليغ سنة 1047ه هو سبع سنوات، وهو سن مناسب لفترة التعلم في الكتاب القراني، وبالتالي فإن ما أورده المختار السوسي بشأن تعلم المولى الرشيد في ايغيرملولن منطقي وتسنده الوقائع التاريخية.. و يرجح ان يكون المولى الرشيد تلميذا لدى سيدي عيسى السكرادي، حيث يروى ان  بين الرجلين علاقة مثينة وخاصة، جعلت السلطان العلوي يكرم وفادة الشيخ السكرادي الى مراكش ومنحه منصبا رفيعا..

منذ العام 2014 أصبحت المدرسة العتيقة ايسكراد تخضع لنظام التعليم العتيق التابع لوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، حيث صار بإمكان التلاميذ الحصول على الشهادة الابتدائية في صنف التعليم العتيق التي تمنح لحاملها حق استكمال تعليمه الاعدادي في مؤسسات أخرى للتعليم العتيق أو التعليم العصري.. وتصل الطاقة الاستيعابية المرخص لها بالمدرسة 60 تلميذا، غير أن قلة غرف الإيواء جعلت عدد التلاميذ يناهز حاليا 23 تلميذا يتابعون تعليمهم في المرحلة الابتدائية..

آفاق المدرسة العتيقة

حسب رئيس جمعية رعاية وتسيير المدرسة العتيقة فإن المؤسسة تحتاج الى عملية تهيئة داخلية وبناء مرافق حيوية مثل المزيد من غرف الطلبة وقاعات الدرس بالإضافة الى قاعة كبيرة للصلاة وصومعة لتأهيل المؤسسة لاحتضان صلاة الجمعة، علما أنها تستجيب لمعظم الشروط التي تشترطها وزارة الاوقاف في المسجد الجامع.. وأضاف لحسن اد سرحان، ان الجمعية تبدل مجهودات لتحسين ظروف الاقامة بالمدرسة العتيقة وتجويد الخدمات المقدمة للتلاميذ من تغدية ورعاية وتعليم.. رغم ان الامكانيات المادية لا تكفي لتلبية الاحتياجات اليومية للمدرسة التي يساهم بعض المحسنين في تمويل جزء منها… كما التمس رئيس الجمعية من المسؤولين ادراج طريق المدرسة العتيقة ضمن لائحة المسالك المزمع بناؤها بجماعة الركادة، لفك العزلة عن المدرسة العريقة، خصوصا أن المسلك الترابي المؤدي الى ايسكراد صعب التضاريس ولا يمكن عبوره بسهولة،  وبشكل خاص كلما سقطت الأمطار، حيث تنقطع المدرسة عن العالم الخارجي…

تجدر الاشارة ان المدارس العتيقة أضحت اليوم تسير في اتجاه التطوير والتأهيل، ومواكبة لتطورات العصر، عبر عصرنة مناهج التعليم وأساليب التكوين، منخرطة بذلك في التحولات العلمية والمعرفية المتسارعة؛ كما أصبحت الآفاق مفتوحة أمام طلبتها وخريجيها من أجل الاندماج في سوق العمل بعد تكوينهم. أما الجانب التدبيري والتسييري، الذي لعبت فيه القبائل دورا محوريا، فإنه في حاجة ماسة الى تطوير وعصرنة لتجويد الأداء وتحسين الخدمات ومواكبة المستجدات في هذا الحقل..

ابراهيم اوزيد

تعليقات الموقع

اضف تعليق