عاد البرلماني المثير للجدل ابوزيد الادريسي الى دائرة الاضواء في الأيام الأخيرة بعدما قام بإلقاء سلسلة “محاضرات” في بعض المدن السوسية حول موضوع مستقبل لغات التدريس بالمغرب.. جولة برلماني البيجيدي بكل من تيزنيت والدشيرة الجهادية قوبلت برفض شعبي تمثل في احتجاحات منظمة من طرف الحركة الامازيغية أمام القاعات التي احتضنت محاضرات مفكر ومنظر حزب البيجيدي، الذي يقدمونه دائما تحت وصف “دكتور” رغم أنه غير حاصل على شهادة الدكتوراه..
من هو ابوزيد الادريسي؟ لماذا يكتنف التوتر علاقته بالامازيغية والامازيغ بصفة عامة؟ لماذا ترفع في وجهه شعارات “ارحل” في مختلف أرجاء سوس؟؟

يلعب أبوزيد الادريسي دور “الفيلسوف” والمنظر الإيديولوجي لحزب العدالة والتنمية (النسخة المغربية من تنظيم الإخوان المسلمين المصرية)، ففي الانشطة الاشعاعية واللقاءات العمومية وعبر منشورات وملصقات الحزب، يتم تقديم الأستاذ الجامعي المساعد تحت يافطة” دكتور”، رغم أن المعني بالأمر لم يحصل على شهادة الدكتوراه سواء في الجامعات المغربية أو الأجنبية، فسيرته الذاتية لا تتضمن أية اشارة الى حصوله على الشهادة المذكورة في أي تخصص كيفما كان، مما يتنافى مع نعته بلقب “دكتور”، أم أن الأمر مجرد وسيلة درج عليها قادة البيجيدي لتضليل الرأي العام وإيهام عموم المواطنين بكون المحاضر ذو مكانة علمية مرموقة وهو أمر غير صحيح وتعوزه الأدلة المادية…
وعادة ما يؤطر ابوزيد يؤطر الأنشطة الحزبية وحيدا، وناذرا ما يشاركه شخص آخر المنصة، فقد أطلقوا على أنشطته اسم “محاضرات”، رغم كونها لا تستوفي شروط المحاضرة ومنها عدم حصر لائحة المتدخلين منذ البداية واحتكار المداخلات من طرف أعضاء الحزب فقط، وضمان حرية النقاش لمختلف الأطراف الحاضرة لتدلي بلوها في موضوع النقاش….

“دكتور” بدون دكتوراه
ولد أبو زيد الأدريسي بمدينة مراكش سنة 1960 ثم انتقل إلى الجديدة حيث شغل والده منصب محتسب المدينة بالإضافة إلى تدريسه اللغة العربية والتربية الإسلامية وممارسته الخطابة والوعظ بمساجد المدينة. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بالمدينة نفسها ليلتحق بعدها بجامعة محمد الخامس بالرباط..
في ملصقات حزب البيجيدي يقدمون أبوزيد بصفة “مفكر” و “دكتورا” رغم أن الصفة الأخيرة تحتاج الى شهادة جامعية لاتباثها، ففي ملصقات الكتابة الاقليمية للحزب بتزنيت والكتابة المحلية بالدشيرة الجهادية لحزب “العدالة والتنمية” نقرأ أن المسمى “المقرئ أبو زيد الادريسي” ينوي تقديم محاضرة حول لغات تدريس العلوم بالمغرب.. ما يثير الانتباه في هذه الملصقات هو أن “المقرئ أبو زيد الادريسي” هذا وصف ب”الدكتور”، فهل حصل هذا الرجل على الدكتوراه حتى يسمى بالدكتور؟ ومتى حصل عليها ومن أي مكان؟؟
التحق المقرئ أبو زيد الادريسي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية شعبة اللغة العربية، البيضاء بين سنتي 1984-1986 أستاذا مساعدا في مادة النحو العربي، فقه اللغة، المدخل إلى اللسانيات وبين 1986- 1990 اشتغل كأستاذ مساعد بكلية الأدب والعلوم الإنسانية شعبة اللغة العربية وشعبة الدراسات الإسلامية في مادة النحو، فقه اللغة، علوم القرآن والحديث، اللسانيات . وبين سنوات 1990- 1997 عمل أستاذا مساعدا بشعبة اللغة العربية وآدابها في مادة علم الدلالة، النحو العربي. وقد التحق المقرئ أبو زيد بمنصب “أستاذ مساعد” بدبلوم واحد هو “دبلوم الدراسات العليا” (المكافئ لما نسميه الماستر اليوم) من جامعة محمد الخامس سنة 1987.
وبالتالي فإن المقرئ أبوزيد ليس “دكتورا” بل هو في مستوى طالب حصل على الماستر، وليس “أستاذا للتعليم العالي” بل مجرد “أستاذ مساعد”. أما ملصقات حزب العدالة والتنمية فهي تمارس التدليس، وعدم تصحيح الرجل لهذا التدليس يعني أنه راض عن ممارسة التدليس. أما الدكتوراه فلا توجد سوى في مخيلة اتباع الحزب الذين، رفعوا منظر الحزب الى مرتبة “دكتور” و”ومفكر” لا يشق له غبار، رغم أن نهج سيرته لا يتحمل كل هذه الألقاب الثقيلة التي تتطلب من صاحبها مؤهلات جامعية كثيرة وانتاج علمي غزير.. وبالتالي فإن اطلاق لقب “دكتور” تتطلب من صاحبه ان يحوز شهادة الدكتوراه أو أن يكون طبيبا، كي يستحق اللقب عن جدارة واستحقاق، اما إلصاق رتبة علمية جزافا بأستاذ جامعي يعتبر منظرا ايديولوجيا للحزب، فهي محاولة مكشوفة لتضليل الرأي العام وتقديم معلومات مغلوطة للجمهور، وإيهامه بكون المحاضر ذو مكان علمية مرموقة وهو شيء مخالف للواقع وللحقيقة، باختصار شديد إنه انتحال صفة دون وجه حق وهو فعل يعاقب عليه القانون الجنائي…
محاضرة تيزنيت: “سكوت ألحمار”
نظرا لكون المقرئ الادريسي أهم منظري حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والاصلاح التابعة له، فقد كان ضيفا قارا في أنشطة التنظيمات الاسلاموية في سوس ومنها تيزنيت، التي سبق أن شهدت بعض الأنشطة التي أطرها أبوزيد بها احتكاكات مع مناضلي الحركة الامازيغية.. لذلك فليس غريبا أن يبدأ الاحتجاج على استضافته ابوزيد في المدن السوسية من تيزنيت تحديدا دون غيرها، اذا عرفنا أن المعني بالأمر سبق أن عرض شابا للسب والقذف أمام الملأ في قاعة عمومية منذ العام 2004 وتحديدا يوم 5 دجنبر 2004 في نشاط عمومي (محاضرة) نظمته جمعية “الآفاق الثقافية” التابعة لتيار الاخوان المسلمين بقاعة العروض الشيخ ماء العينين، حيث تدخل شاب (محمد مايس من جمعية تماينوت) في القاعة للرد على كلام المقرئ قائلا”: “نحن امازيغ ولسنا بربر”، الأمر الذي لم يستسغه ابوزيد ورد عليه بكل وقاحة وصلافة بلغة سوقية محظة ونزع عنه الصفة الآدمية ونعته بالحمار قائلا: “سكوت ألحمار”.. وتكفل الإخوان بإتمام المهمة وإخراج الشاب خارج قاعة العروض.. وقد أعقب هذا الحادث توتر كبير، تمثل في سلسلة من البيانات المنددة بتصرف المقرئ الادريسي من طرف تنظيمات الحركة الامازيغية، عكست الجرائد الوطنية جزءا منها عبر مقالات وحوارات.. وبالتالي فإن الرجل لديه سوابق في السب والقذف والسخرية نحو مواطنين من نفس الوطن سواء داخل البلاد أو خارجها، وبقيت العلاقة بين المقرئ الادريسي والحركة الامازيغية متوترة، تنتظر فقط النقطة التي ستفيض الكأس وتمثلت في فيديو محاضرة الكويت، الذي نشرته قناة سعودية مؤخرا..

محاضرة الكويت: “تجار معروفون بالبخل وهم من عرق معين”
في ديسمبر 2013 انتشر في الشبكات الإجتماعية مقطع فيديو يعود تاريخه لأكثر من ثلاث سنوات، مقتطف من محاضرة ألقاها أبو زيد خارج المغرب، وتحديدا في الكويت ضمن نشاط لتيار الاخوان المسلمين.. ويظهر ابوزيد في فيديو المحاضرة، الذي بث من طرف قناة “الرسالة” السعودية في وقت سابق، وهو يشرح مفهوم الهوية بإعطاء مثال عبارة عن “نكتة” قال فيها “في المغرب عندنا تجار معروفون بنوع من البخل وهم من عرق معين لن أقوله حتى لا أتهم بالعنصرية في المغرب. يقولون إن أحدهم من خوفه على مساعديه أن يسرقوه ومن حرصه على ماله وضع مرآة في قعر درج النقود فإذا فتحه ينظر في المرآة حتى يتأكد أنه هو الذي يفتح الدرج وليس غيره”. وهو ما جر عليه غضبا واسعا منذ ذلك الحين بسبب تهكمه على أهل سوس.. ورغم نفي البرلماني تهمة العنصرية تجاه الامازيغ، فإن المعجم الذي وظفه في المحاضرة يكشف ورقة التوت عن عورته ويفضح نفاقه، فتوظيف كلمات من قبيل: قوم، عرق، معين، لن اسميهم كي لا اتهم بالعنصرية.. تمتح من حقل دلالي واضح هو العرقية والعنصرية الذي ظهر في القرن التاسع عشر ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين ولا يزال أشباه المثقفين متأثرين بالفكر العرقي، الذي يجد منفذا الى محاضراتهم من حين لأخر..
وقد وصل صدى عنصرية المقرئ الادريسي الى الامم المتحدة حيث طالب الحمزاوي التيجاني، عضو المجلس الجهوي لحقوق الإنسان بأكادير اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة بالتدخل العاجل في الموضوع بهدف إنصاف المتضررين الذي قال إنه واحد منهم، واتخاذ ما هو مناسب إحقاقا لحقنا في العيش بكرامة، دون تعرضنا لأي نوع من أنواع التمييز، يقول صاحب الشكاية.. وقد غاب المقرئ أبو زيد الإدريسي عن جهة سوس لفترة طويلة، أي منذ أن هاجم في شريط فيديو أهل سوس واصفا إياهم ب «البخلاء»..

مسار برلماني تلخصه صورة
انتخب المقرئ الادريسي نائبا برلمانيا بين 1997-2002 عن حزب العدالة والتنمية وبين 2002-2007، انتخب لولايتين متتابعتين، وعمل كرئيس للجنة الصداقة المغربية – الإيرانية التابعة للبرلمان. وهو عضو لجنة القطاعات الإنتاجية التابعة للبرلمان، فلجنة القطاعات الاجتماعية، ثم لجنة العدل والتشريع. وبين 2012-2007 انتخب كنائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية عند دائرة الجديدة- أزمور، وأعيد انتخابه في نفس الدائرة خلال الانتخابات البرلمانية لسنة 2016 وهو أيضا عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية… لكن منذ صيف العام 2012 تروج في الشبكات الاجتماعية صورة للبرلماني ابوزيد وهو نائم في البرلمان، وقد أثارت صورة للمفكر الإسلامي والبرلماني عن حزب العدالة والتنمية، وهو نائم داخل قبة مجلس النواب خلال احدى الجلسات العمومية، جدلا واسعا على صفحات الفيسبوك، حيث اختلفت التعليقات بين متعاطف ومنتقذ للسلوك عموما من داخل المؤسسة التشريعية.
وهكذا، فقد ذهب مرتادو الفيسبوك في تعليقاتهم على الصورة، إلى أن النوم داخل البرلمان أمر غير مقبول من طرف النواب خصوصا برلمانيي العدالة والتنمية، المعروفين بانضباطهم داخل المجلس، في حين دافع متعاطفون مع حزب “المصباح” على أبو زيد الإدريسي كونه منهكا بسبب لقاءاته الماراطونية ومحاضراته الفكرية، إضافة إلى إجراءه لعلمية جراحية مؤخرا.
وكان نشطاء فيبسوكيون مغاربة قد أنشؤوا فيما سبق صفحة على شكل مرصد لكشف النواب الذين يستسلمون للنوم من داخل البرلمان، وهو ما عرف انتشارا واسعا وتعبئة اعتمدت نشر صور لبعضهم وأسمائهم والحزب الذي يمثلونه.
هل يكفي الاعتذار المتأخر لطي الصفحة؟
منذ انتشار فيديو محاضرة الكويت حيث كشف ابوزيد عنصريته تجاه أهل سوس، لم يكلف المعني بالأمر نفسه عناء الاعتذار الصريح للمواطنين، الذين اهانهم بكلامه الجارح أمام جمهور أجنبي وفي دولة أجنبية، بل اكتفى بسياسة النعامة وشعار “كم من حاجة قضيناها بتركها”، الى أن وجد نفسه في الأسبوع الثاني من شهر مارس الجاري وسط زوبعة من الاحتجاجات التي ترفض حضوره الى المدن السوسية التي سبق أن وصف أهلها بالشح والبخل وغيرها من الصفات الذميمة… ولولا الاحتجاجات كان مستبعدا أن يقدم ابوزيد الادريسي اعتذاره، وان كان اعتذارا مغلفا بنوع من التعالي عوض أن يكون اعتذارا صريحا وصادقا يفيد الإعتراف بالخطأ والإقرار بعدم تكراره من أجل طي الصفحة بشكل نهائي مع أهل سوس، الذين أطعموه من جوع وآمنوه من خوف… على كل حال الأيام القادمة ستكشف ان كان اعتذار المقرئ الادريسي صادقا ونابعا من القلب أم انه مجرد حيلة للافلات من زوبعة الاحتجاجات الشعبية، التي أفسدت جولته في المدن السوسية…
ابراهيم التزنيتي
اضف تعليق