تعتبر مدينة تيزنيت من أحدث المدن العتيقة بالمغرب، حيث يعود تاريخها الى بداية القرن التاسع عشر، حينما كونت قبائلها الأربع المعروفة نواة أحياء سكنية بقصباتها التي تغلق كل مساء بواسطة أبواب خشبية، ودورها الأصيلة على شكل رياضات، وأزقتها الضيقة التي توفر الظل للمارة طيلة فترات النهار.. وتعتبر قصبة أغناج، نسبة الى القائد الحاحي محمد أغناج، ٌأقدم معلمة تاريخية بالمدينة، اذ يعود تأسيسها الى الحملة الأولى للسلطان مولي سليمان الى سوس في العام 1807

تصنف تيزنيت ضمن المدن السلطانية، الى جانب تطوان ومكناس ومراكش، نظرا لتوفرها على قصر لممثل السلطان يعرف باسم القصر الخليفي. ونظرا لهذه المميزات تم تصنيفها كموقع تاريخي بموجب الظهير الشريف المؤرخ في 20دجنبر1932 وبعده القرار الوزاري الصادر في 29 يونيو1984.
قسم مجال المدينة العتيقة إلى أحياء تحمل أسماء العائلات الأصلية وهي إدآوكفا وآيت محمد وإد زكري وإد صلحا. وشيدت البيوت والمنازل وفق الطراز المغربي الأندلسي المعروف بالرياض. وتبدو تجليات النمط المعماري السائد بالمدينة القديمة واضحة، فالبيوت مبنية بالتراب المدكوك عبر تقنية “اللوح”، وأبوابها مزينة بالأقواس على شكل نصف دائري وأقواس على شكل حدوة الفرس arc brisé وتوجد مداخل أخرى على شكل مستطيل مع زوايا ذات أقواس صغيرة، تعلوها دعامة من الخشب وأحيانا تعلو نقوش قوس الباب. وعادة ما تتوسط النقوش المذكورة تاريخ إنشائها سواء بالتقويم الهجري أو الميلادي. وقد بنيت مداخل وأقواس البيوت باستعمال حجر مصقول على شكل مستطيل ذهبي اللون، يشبه حجر أقواس أبواب مدينة الصويرة… وتبقى أول ملاحظة تثير زائر المدينة القديمة هو الزحف غير المنظم للاسمنت على النسيج العمراني للمباني، وفي هذا الصدد طمست أقواس الحجارة المصقولة عن طريق تغليفها بألوان مختلفة من الصباغة، أو تعويضها بالزليج والسيراميك بمختلف أنواعه… كما اختفت الأبواب الخشبية المزينة بزخرفات ونقوش منحوتة باليد من طرف صناع مهرة، واستبدلت بأبواب حديدية تتنافى مع خصوصية العمران في المدينة العتيقة.. كما اضمحل استعمال الشبابيك الحديدية، التي كانت تزين نوافذ البيوت وتضفي عليها طابعا مميزا وفريدا يعكس غنى المعمار المحلي…

وفي غياب أي التفاتة من المسؤولين فإن المدينة العتيقة تتدهور وضعيتها من يوم لآخر، حيث اختفت معظم المعالم العمرانية القديمة بسبب زحف الاسمنت وعدم تقنين عمليات البناء والتشييد، إذ ظلت مصالح التعمير بالبلدية توزع رخص البناء يمينا وشمالا، بدون أي سياسة أو تخطيط يراعي خصوصيات العمران في المدينة العتيقة لتزنيت.. وقد أدت هده الفوضى العمرانية الى عدم احترام عدد الطوابق المسموح ببنائها، حيث فاق علو البنايات علو السور البالغ ثمانية أمتار، زيادة على عدم احترام ارتفاق المآثر التاريخية ومنها السور الحسني أي المسافة التي يجب أن تفصل بين المآثر وأوراش البناء… مما نتج عنه نسيج عمراني بدون هوية لا يمت بأي صلة الى الصورة المعمارية للمدن العتيقة بالمملكة.. ورغم أن تاريخ المدينة القديمة بتزنيت ليس ضاربا في القدم إذ يعود إلى القرن 19، أي بعد إنشاء الصويرة في القرن الثامن عشر، وتارودانت، في القرن السادس عشر، فإن الاسمنت طغى بشكل كبير على معالمها العمرانية، ويكاد يطمس هويتها المعمارية ويشوه مظهرها المورفولوجي…
ابراهيم التزنيتي
اضف تعليق