“عزيزي البربري”…

عندما ينسف السعوديون ما بناه القوميون العرب وسياسة التعريب !

 

في ظرف بضعة أيام، شن مدونون سعوديون وخليجيون حملة قوية في مواقع التواصل الاجتماعي يردون من خلالها على غضب المغاربة من خيانة حلفاء الخليج وعلى رأسهم السعودية، التي صوتت ضد ملف المغرب لاحتضان كاس العالم 2026 وحرضت دول عربية أخرى وآسيوية للتصويت لصالح الملف الامريكي…

تمثلت الحملة التي أطلقها الخليجيون في حملة تواصلية منسقة عبر فيديوهات مثقنة ومختصرة، اعتبروا فيها أن المغاربة “بربر” ولا تربطهم أية صلة بالعروبة والعرب الأقحاح والوحدة العربية وغيرها من الشعارات التي نحتها ورفعها منظرو التيار القومي العربي منذ قرن من الزمن… تيار لا يعترف بالتاريخ وينكر الأصل الامازيغي للمغرب وشمال افريقيا،  اذا اعتبر دوما المغرب “جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير”، وجزء من “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة من المحيط الهادر الى الخليج الثائر”، وهو الشعار الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي أسسه المسيحي السوري ميشل عفلق، بدعم من القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية إبان معركتها لدحر الامبراطورية العثمانية أو “الرجل المريض” كما كانت تسمى..

على امتداد قرن من الزمن، استطاع التيار القومي بمساعدة الحكومات المنبثقة من أحزاب ما يسمى “الحركة الوطنية” شن حملة تعريب واسعة في المغرب وغيره من دول شمال افريقيا، حملة بدأت بتزوير التاريخ وتحريفه وحذف فترة المماليك الامازيغية من المقررات الدراسية وتشويه صورة الامازيغي وتقديمه في هيئة إنسان يلبس الجلود ويعيش في الكهوف ويأكل الكسكس… مقابل هذه الصورة الكاريكاتورية، يتم تقديم العربي في صورة الانسان الفاتح، الذي جاء لينقذ الامازيغ من الوثنية والجاهلية…  وبعد التاريخ، تعرضت الجغرافيا للتعريب، ومنها شمال افريقيا، التي أصبحت بقدرة قادر، “مغربا عربيا”، وهي نفس المنطقة التي أطلق عليها المؤرخون العرب أنفسهم “بلاد البربر” وسماها الفرنسيون la bérbérie وسماها السكان الأصليون تمازغا… وتبع ذلك غربلة التاريخ الرسمي واقصاء كل الدروس، التي تحيل الى الأصل الامازيغي للمغرب، حيث استبدلوا أول درس في مقرر التاريخ بالمدرسة العمومية، الذي كان يبدأ ب”سكان المغرب الأقدمون هم البرابرة أبناء مازغ… بدرس جديد يصلح أن يكون أول درس في المقررات السعودية، وهو “بنية القبيلة في شبه الجزيرة العربية”…

وبعد أن كانت الامازيغية اللغة المهيمنة على المغرب في بداية القرن العشرين، أصبحت الآن منحصرة في مناطق معدودة، بفعل سياسة التعريب التي نفذتها الأنظمة الحاكمة، والتي استهدفت الانسان والمجال والحياة العامة بل وحتى الحيوان، اذ تراجع عدد رؤوس الفرس الامازيغي بالمغرب الى مستويات متدنية، وصار عددها لا يتجاوز 1385 رأس، بفعل تسخير امكانيات الدولة في رعاية الفرس العربي دون غيره من السلالات…

يمكن الجزم أن السعوديون نجحوا فيما فشل فيه آخرون، واستطاعوا نسف الأوهام التي بناها القوميون العرب على امتداد قرن من الزمن، واستفاق المغاربة على حقيقة مرة، تدحض الشعارات التي اعتنقوها منذ زمان، حتى تحولت لدى البعض الى مسلمات لا يرقى إليها الشك من قريب ولا من بعيد.. واكتشفوا أن انتمائهم الى العروبة مجرد أضغات أحلام، سرعان ما كشف الزمن زيفها بمجرد اختبارها في امتحان بسيط..

لهذا فإن ما بني على باطل فهو باطل وان التاريخ لا يمكن أن تزوره السياسة ولا أموال البترودولار، وبالتالي فالعودة الى الاصل (الامازيغي) أصل كما يقول المثل…

ابراهيم وزيــد

اضف تعليق