لوي هوبير غونزالف ليوطي Louis Hubert Gonzalve Lyautey (17 نوفمبر 1854- 27 يوليو 1934) جنرال فرنسي، وأول مقيم عام للمغرب بعد احتلاله من 1912 حتى 1925. يعد هوبير ليوطي من أهم المسؤولين الفرنسين، الذين تركوا بصمة واضحة في مغرب الاستعمار ولا زالت بصمتهم واضحة للعيان، حتى بعد مرور أكثر من نصف قرن على استقلال البلاد. ويرى مهتمون أن ليوطي نجح في مهمته كأول مقيم عام فرنسي بالمغرب، بفضل “السياسة الاسلامية” التي اعتمدها وكرسها بترسانة من القوانين معظمها لايزال ساري المفعول الى اليوم…
إطلاق “السياسة الإسلامية” وتكريسها بترسانة من القوانين
بعدما عين ليوطي في 28 أبريل 1912 كمقيم عام بالمغرب، بعث رسالة الى الحكومة الفرنسية كشف فيها أنه سيعتمد في رسم سياسته في المغرب، على ما توصل إليه المستكشفون الفرنسيون بينهم ألفريد لوشاتوليي رئيس البعثة العملية الفرنسية بالمغرب. وتدور الخلاصات التي توصل إليها لوشاتوليي على ثقل المعطى الديني في حياة المغاربة وهيمنته على باقي الجوانب. ففي سنة 1908 اقترح لوشاتوليي على حكومته تجميع مختلف التقارير الصادرة ودراستها للخروج بتصور شامل حول دور الاسلام في حياة المغاربة. وهكذا كانت “السياسة الاسلامية” الحل الأنجع، الذي اكتشفه ليوطي لتسهيل احتلال المغرب والتي قال عنها أنه “لم ينجح في المغرب إلا بفضلها”[1]. تقوم السياسة المذكورة على إظهار الاحترام التام تجاه كل ما يتعلق بالمغاربة من عادات (فرض الجلباب على المراهقين في المدارس الاسلامية) ومؤسسات اجتماعية (الإبقاء على حكم القواد الكبار) وخصوصا الدين الاسلامي، الذي “يختزل كل الانفعالات العقلية والوجدانية للمسلم” بتعبير ليوطي[2]، حتى لا يشعروا أنهم يعيشون قطيعة كاملة مع تقاليدهم. بيد أن هذا لا يعني أن خيار القوة كان مستبعدا بالمرة لدى ليوطي، وهو يعترف أن إدارته للمغرب ستبنى على “اللعب الدائم على حبلي السياسة والقوة”.. وبعد مرور أكثر من قرن من الزمن على مجيئ ليوطي الى المغرب، فإن عدد من القوانين والاجراءات السارية المفعول تعود الى حقبة أول مقيم عام فرنسي، من قبيل: منع المغاربة المسلمين من ولوج الحانات، المعاقبة على السكر العلني، حظر التبشير، التضييق على القمار والدعارة، منع غير المسلمين من الدخول الى المساجد والأضرحة، لدرجة أنه لما زار ضريح المولى ادريس بزرهون استجابة لدعوة أحد الأعيان اكتفى بالوقوف أمام الباب قائلا: ” منعت الأوربيين دائما من الدخول الى مساجدكم، فلا ترغموني على خرق قاعدة شرعتها بنفسي، قد تجدون أنفسكم فيما بعد مرغمين على السماح لآخرين بما تطلبون مني القيام به اليوم”[3]…
شجع ليوطي إقامة الشعائر الاسلامية ودعم بناء مساجد جديدة، وعندما ترأس في 19 أكتوبر 1922 مراسيم انطلاق أشغال بناء محراب مسجد باريس، رفض أن تعطى الانطلاقة على يديه وقال في خطابه الذي ألقاه بالمناسبة “سنعطي اليوم انطلاقة الأشغال في محراب المسجد، الذي ستتوجه إليه قلوب المؤمنين. لن أعطي ضربة الانطلاقة بيدي. رغم دعوتي للقيام بذلك، لأنني أعتقد أن شخصا مسلما هو وحده المؤهل للقيام بهذا العمل، لذا أطلب من ممثلي البلدان الاسلامية الحاضرين هنا أن يتولوا القيام بهذا العمل التعبدي”[4]. ولما لاحظ أن عدد من الحجاج يقضون نحبهم خلال موسم الحج، نظم رحلات حجية بالبواخر وأرسل فرقا طبية لمرافقة الحجاج المغاربة.
وعندما صدر ظهير نزع الملكية للمصلحة العامة في20 شتنبر 1914 استثنى المساجد والزوايا والمقابر من الأملاك التي يمكن أن تقع تحت طائلة النزع (الفصل السابع من الظهير). وباشر منذ السنوات الأولى لإقامته اصلاح الأحباس، حيث أسس لهذا الغرض هيئة من كبار العلماء أصبحت فيما بعد “المجلس الأعلى للأحباس”، الذي عقد أولى اجتماعاته في 20 غشت 1917 بمدينة الرباط.
ممنوعات ورثها المغاربة عن الاستعمار الفرنسي
لا يمكن قراءة عدد من القوانين ذات “المسحة الاسلامية” التي سنها ليوطي في السنوات الأولى للحماية الفرنسية، إلا على ضوء سياسته الاسلامية. فمنذ 15 يناير 1913 صدر ظهير سلطاني يمنع المغاربة المسلمين من ولوج “المحلات المعدة لبيع المسكرات”، وقبل أقل من أسبوعين صدر القانون على يد الصدر الأعظم في 27 يناير 1913 وحمل اسم “ضابط في شأن المحلات المعدة لبيع المشروبات”. وجاء في فصله الأول:” ممنوع على الرعية من المسلمين أن يجعلوا محلات للمسكرات التي تشرب فيها، ومن الممنوع أيضا أن يدخلوا في تلك المحلات لشرب تلك المسكرات”.. وحظر الضابط المذكور فتح الحانات بجوار “المساجد والمحلات المجعولة لأي عبارة كانت والمقابر والمستشفيات وما يشبهها والسجون والقشلات والمدارس”. كما منع استخدام النساء والبنات في الحانات إلا بإذن خاص في ذلك من المخزن، كما أن “النساء والبنات المشهورات بالفجور يمنع كل خمار من قبولهن في خمارته أيا كان سبب دخولهن”.. ولم تكد تنتهي سنة 1914 وتحديدا 20 شتنبر 1914 حتى صدر ظهير آخر، هذه المرة “في معاقبة الذين يتجاهرون بالسكر أو يدمنون على شرب المسكرات”. ونص على أن “كل من وجد وهو في حالة السكر الظاهر في الشوارع والطرقات والساحات العمومية والقهاوي والفنادق والحانات وغيرها من المحلات العمومية أو الأماكن التي يدخلها عامة الناس، يعاقب بذعيرة تتراوح من خمسين الى ألفي فرنك وبالسجن من خمسة عشر يوما الى ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.
وشن ليوطي الحرب نفسها على الدعارة، حيث صدر في 19 مارس 1914 ظهير يتعلق ب”الأوباش وبالأشخاص الذين يتعاطون صناعة القيادة (القوادة) على النسوة” ويعاقب هؤلاء “من ثلاثة أشهر الى عامين سجنا وبذعيرة قدرها من مائة فرنك الى ألف فرنك” مع المنع من الاقامة في الإيالة الشريفة من خمس الى عشر سنوات.. ولم يسلم اليانصيب من بطش ليوطي، حيث صدر ظهير شريف ثالث في 12 يونيو 1918 في منع لعب القرعة (اليانصيب) ونص على منع ألعاب القرعة على كافة أنواعها بالمنطقة الفرنسية من الإيالة الشريفة..
ويروج أيضا أن الفصل 222 من القانون الجنائي المغربي، الذي ينص على أن “كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي، يُعاقب بالحبس من شهر إلى 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 200 درهم”.. هو إرث استعماري حافظ عليه المُشرع المغربي، وقد تم وضعه في فترة الاستعمار لمنع الفرنسيين من الإفطار العلني، دون أن نعثر على مصدر يؤكد هذه المعلومة الشائعة.. لكن محتوى القانون ولغته تدل على أنه لم يوضع من “أجل منع الفرنسيين من الأكل”، لأنه بكل بساطة يُخاطِب من عرف “باعتناقه الدين الإسلامي” وهو ما لا ينطبق على الفرنسيين.. علما أن الفصل المذكور، لم يرد في المدونة الجنائية التي صدرت في الجريدة الرسمية لعدد 19 نونبر سنة 1953 وتضمنت الجرائم الماسّة بإقامة الشعائر الدينية في الفصلين 167-168 ولم تنص على دين دون آخر بل عاقب على تدمير وتدنيس البنايات الدينية وعرقلة إقامة الشعائر الدينية عموما دون تمييز لدين على حساب دين آخر، ولم يظهر الفصل 222 إلا في المدونة الجنائية الصادرة في الجريدة الرسمية ل 05 يونيو 1963.
تتناغم السياسة الاسلامية لدى ليوطي مع تصوره الخاص لمفهوم الحماية التي تقوم من منظوره على فكرة “الشراكة” المبنية على الحكم مع المؤسسات الأهلية وفق نظمها وتقاليدها، وليس على الادارة المباشرة. لم يكن ليوطي يخفي اعجابه الكبير بالأسلوب الانجليزي في إدارة المستعمرات (الادارة الغير المباشرة)، على أن الغاية من الشراكة أو الادماج واحدة، وتتمثل في نشر النفوذ الفرنسي…
ابراهيم اوزيد
[1] مجلة “زمان”، عدد: 15 يناير 2015 ص: 7
[2] نفسه
[3] نفسه، ص: 10
[4] نفسه، نفس الصفحة
اضف تعليق