إديحيا يحكي عن تجربته في الخدمة العسكرية: قضينا 17 يوما محاصرين وكنا نقتات على الأعشاب ونشرب من بولنا

يتحدث محمد إديحيا المستشار الجماعي بالمجلس البلدي لتزنيت(1983-2015) عن مساره النضالي والحزبي والجماعي باعتباره أقدم مستشار بالمجلس البلدي.. كما يتناول الحوار تجربته في الخدمة العسكرية ومشاركته في حرب أكتوبر 1973 ضمن صفوف التجريدة المغربية، التي عززت الجيش المصري في معاركه ضد الجيش الإسرائيلي، إبان الحرب التي شنتها مصر بقيادة الرئيس الراحل أنور السادات ضد اسرائيل في محاولة لاستعادة شبه جزيرة سيناء… وأشياء أخرى تجدونها في هذا الحوار المثير…

في البداية كيف تقدم نفسك لقراء “أخبار الجنوب”؟

أشكر جريدة “أخبار الجنوب” على استضافتنا في هذا الحوار، لا شك أن محمد اديحيا المعروف ب “بوفرنسا” لدى عامة المواطنين، من أبناء تيزنيت الأصالى. نشأت في هذه المدينة منذ الصبا، من أسرة علمية تنتمي الى “البولوقتيين التزنيتيين المشار إليهم في “المعسول”.. تلقيت دراستي في الكتاتيب القرآنية، حيث درست القرآن في مسجد آيت محمد وهناك حفظت القرآن عن ظهر قلب، ثم انتقلت الى مدرسة إلغ في دوكادير بجماعة ايت وفقا، حيث واصلت قراءة ورش والمتون لمدة أربع سنوات، ثم التحقت بالمعهد الإسلامي فرع ماسة حيث درست التعليم الابتدائي وانتقلت الى التعليم الإعدادي بتارودانت ثم الثانوي بمعهد محمد الخامس بتارودانت وتوقفت عن الدراسة في مستوى الباكالوريا نظرا لأسباب عائلية. وفي سنة 1968 التحقت بسلك التعليم، حيث تم تعييني في طاطا وتحديدا في فم زكيد، وهي منطقة لم تصل إليها وسائل النقل أنذاك، فما بالك أن تجد وسائل العيش والتدفئة.. ثم استقلت من التعليم وعملت كتاجر مبتدئ وكذلك أعمل كمصلح كهربائي.. بعد ثلاث سنوات دعيت الى الخدمة العسكرية وقضيت بها ثلاث سنوات ونصف. شاركت خلالها في حرب 1973 في مصر، ثم التحقت بمنطقة الصحراء حيث واصلت التطوع خارج قانون التجنيد وهو 18 شهر، رغما عني في إطار التجنيد الإجباري أو ما يسمى les rappelés بالتزامن مع تأسيس مرتزقة البوليساريو وكنت من الفوج الأول، الذي خرج لتطهير المرتزقة من مناطق الصحراء وكنت أجوب الصحراء المغربية الغربية انطلاقا من عوينة تزكي وعوينة تركز، امتضي، تكجكالت، تفكونت الى فم لعشاير.. مشيا على الأقدام.. وكنا نعيش على علب السردين المصبر والخبز فقط على الدوام، ولن تجد أثرا للماء الشروب إلا بشق الأنفس…

من أطلق عليك لقب “بوفرنسا”؟

كلمة “بوفرنسا” جاءت في 1955 كان والدي من العمال، الذين يعملون في الخارج، وكانت ظروف العيش قاسية أنذاك في عهد الحماية الفرنسية، وكان عبد ربه الوحيد، الذي يتظاهر بالأناقة ويرتدي اللباس العصري وعند استفساري من طرف أطفال الحي أقول لهم أن هذه الألبسة اشتراها لي أبي من فرنسا وسموني “بوفرنسا”.. وهذا اللقب ظل ملازما لي في مرحلة الصبا حتى كبرت وظل يتبعني الى اليوم…

كيف جاء التحاقك بالخدمة العسكرية وكيف مرت هذه التجربة؟

عندما دعيت الى الخدمة العسكرية سنة 1972 كنت منتميا الى الفوج الخامس، الذي قضى التجنيد الإجباري بالمغرب.. لسوء الحظ تم توزيع المجندين على الأفواج المتواجدة بالمغرب ككل، وكل فوج أعطي له 120 من المجندين، وكنت من الذين التحقوا بفوج 23 بكلميم وهناك تلقيت التدريب لمدة سبع أشهر، بعد نهاية التدريب توجهنا الى مصر لخوض حرب 1973 الى جانب الجيش المصري، حيث تم تعيين ثلاثة أفواج، تمثل التجريدة المغربية المتجهة الى مصر وهي فوج 23 بكلميم وفوج فم الحصن وفوج سيدي افني وفوج مراكش، باعتبار أن هذه الأفواج لديها تجربة في خوض المعارك بالصحراء، علما أن سيناء عبارة عن صحراء قاحلة.. ولسوء الحظ أعطت قيادة القوات المسلحة الملكية تعليمات للأفواج المذكورة كي تلتحق كليا الى مصر ولم يتم استثناء المجندين. وبعد وصولنا الى مصر، ظهر أن هناك أفواج من المجندين بالخدمة العسكرية تم إرسالهم الى الشرق الأوسط، وكان هناك شنآن بين المجندين والجنود الرسميين وتم إخبار القيادة العليا في المغرب وصدرت الأوامر باعتماد المجندين جنود أصليين كذلك وتمت مساواتهم في الأجر والتعويضات. اذن بعد وصولنا الى مصر تمت مداهمتنا من طرف القوات الجوية الإسرائيلية، التي لم تصل الى المنطقة حيث نتواجد مند 1967 أنذاك أعطيت التعليمات للجنود المغاربة أن يلتحقوا بالجيش الثالث، الذي اقتحم سيناء.. لقد كنا في الجيش الثالث وتوجهنا نحو سيناء في إطار تنفيذ تعليمات قيادة الجيش المصري وتم إعداد بطائق هوية عسكرية للمغاربة، وتولينا مهمة الدفاع الخلفي انطلاقا من مهامنا كمشاة ميكانيكية وبعد وصولنا الى واد حاجول في سيناء، فوجئنا بهجوم إسرائيلي بالطائرات وتم تشتيتنا في مناطق صحراوية لمدة 8 أيام، بعد ذلك التحمنا من جديد وتم توزيعنا على عدة مناطق، علما أننا لا نتوفر على الخريطة الحربية وحتى البوصلة التي تحدد الجهات الأربعة لم تكن بحوزتنا. بعد يوم 18 و19 و21 أكتوبر من 1973 تم تطويقنا من طرف الجيش الإسرائيلي، الذي عبر من معبر خط بارليف ومن المعابر التي مر منها الجيش المصري بعد اقتحام سيناء، في رد فعل إسرائيلي مباغث من نفس المعابر، التي انطلق منها المصريون وتمت محاصرتنا نحو سيناء. قضينا مدة 17 يوما محاصرين بدون ماء ولا غذاء، كنا نقتات على الأعشاب والفطريات ونشرب من بولنا… بعد فك الحصار من طرف قوات الطوارئ الدولية، التي تم إرسالها من طرف الأمم المتحدة بعد نجاح الحوار بين أمريكا والاتحاد السوفياتي والرئيس المصري أنور السادات.. تم إرسال قوات دولية فكت الحصار بين إسرائيل والجيش المصري، بعد ذلك تم تزويدنا من المغرب بمعدات حربية ثقيلة، لأننا ذهبنا في البداية كمشاة فقط، وحتى آليات التنقل كنا نتنقل عبر آليات الجيش المصري… كان الجيش الثالث كله محاصر وتعداده 72000 جندي كلهم محاصرون من جميع الجهات.. ما حدث لا يمكن أن يتقبله أي إنسان لديه دراية حربية، هذا يسمى الخيانة بدون شك.. فترك الصلاحية لإسرائيل لتطويق الجيش المصري كان مقصودا لكي يقبل التفاوض، هذا ما استنتجته شخصيا.. من خلال طريقة الحصار وتبادل الضربات والتعامل مع القوات الجوية، حيث أعطيت تعليمات تنص على عدم الرد على إسرائيل، التي ظلت تقصف لمدة 8 أيام… هذا يوحي بوجود خطة مدبرة للتضحية بمجموعة من البشر لفك النزاع… مكثنا بمصر حوالي سنة، وبعد مفاوضات مضنية تم الفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية وأعطيت تعليمات بعودة التجريدة المغربية الى أرض الوطن.. وبعد وصولنا الى المغرب استقبلنا من طرف المرحوم الحسن الثاني بالدار البيضاء وألقى خطابا بحضورنا واعتبر أنه يراهن على تجريدتنا لتحرير الصحراء وتم تسريحنا لمدة 45 يوم كعطلة.. بعد رجوعنا كنا ننتظر أن يتم الإفراج عنا من الخدمة العسكرية، فإذا بنا نتفاجئ بتعليمات القيادة العسكرية تطالب ببقائنا ضمن صفوف الجيش لتحرير المناطق الصحراوية، على اعتبار أننا جنود اكتسبنا تجربة قتالية في الحرب الحديثة والأسلحة الحديثة… بعد عودتي الى تيزنيت فوجئت بوفاة أبي أثناء وجودي في مصر وقد أعددت وثيقة التحمل العائلي باعتباري أكبر أفراد الأسرة وكاتبت وزارة الدفاع عدة مرات وتم قبول طلبي بالإفراج لوحدي في مجموع التجريدة.. بعد خروجي من الخدمة العسكرية اشتغلت في التجارة لمدة سنتين الى أن التحقت بمهنة التعليم من جديد سنة 1976..

ننتقل الى مرحلة النضال الحزبي والانخراط في مجموعة من الأحزاب، ماذا تقول عن هذه المرحلة؟

كنت ممارسا في الشبيبة الاشتراكية منذ 1966 عندما كنت طالبا. لقد تربيت بمدرسة الشبيبة الاشتراكية بعد عودتي الى تيزنيت، ودمت منخرطا مع الشبيبة الى سنة 1976 أثناء الانتخابات الجماعية تم رفض ترشيحات جميع مناضلي الاتحاد الاشتراكي، وقامت قوات الأمن بمداهمة مقر الشبيبة الاتحادية بزنقة الراميقي.. وأشبعونا ضربا وجرحا وتم إغلاق وتشميع مقر الاتحاد الاشتراكي وتقدمنا بطلبات الترشيح لكنها رفضت.. وتكرر نفس السيناريو من 1976 الى 1983 تم رفض أي حركة سياسية بالنسبة للاتحاد الاشتراكي بتزنيت، الى أن جاءت انتخابات 1983 فاجتمعنا كاتحاديين على أساس ملء مطبوعات الترشيحات وتم رفض ترشيحاتنا من جديد، واجتمعنا ثانية نحن ثلة من الاتحاديين، وقررنا أن نسلك مسلك الخدعة على أساس أن نبحث عن التزكية لدى أحزاب من أقصى اليمين، لدخول الانتخابات وقد اقتنع بعض الإخوان بهذا التوجه واستقبلنا من طرف منسق حزب الحركة الشعبية أنداك في شخص أبوزيد عبد القادر ولد دحمان، ومنحنا التزكية وذهب معنا شخصيا نحو القيادة (تيزنيت كانت أنذاك مركز مستقل) وتم رفض طلباتنا من جديد. وطلب منسق الحركة الشعبية مقابلة عامل الإقليم وأكد للعامل أنه يضمننا كمناضلين في حزب الحركة الشعبية وأن أصدقائنا القدامي منخرطون في الحركة الشعبية، وتم قبول ترشيحاتنا إلا أن السلطات المحلية أعطت تعليمات بتزوير نتائج الانتخابات ولو فزنا بنسبة مائة بالمائة من الأصوات، كنت قررت استعمال حيلة حيث ترشحت مع عمي في نفس الدائرة الانتخابية وكان بعض الإخوان، الذين فهموا خطة تأسيس أحزاب إدارية بعد ظهور حزب الاتحاد الدستوري، الذي ملء جميع مقاعد تيزنيت في الترشيحات ومنهم عمي وطالبناه أن يتخلى لكنه رفض لأنه أعطى وعود… قدمت ترشيحي في نفس الدائرة ولم أقم بالحملة الانتخابية إلا بعد بقاء سبع ساعات من اليوم الأخير من الحملة، بمعية مجموعة من الشباب المثقفين بالحي.. رغم غسل دماغ الناخبين من طرف المخزن وخصومنا استطعت استمالة أصوات معظم الناخبين بالدائرة، ومع ذلك تم إعطاء تعليمات لرئيس المكتب من أجل تزوير النتائج إلا أن المرحوم محسن فرجي وهو صحراوي الأصل يشتغل في البريد، كان ممثلا لي في الدائرة تعرض لعدة مشاكسات خلال عملية التصويت كي يتفوه بكلمات نابية تكون مبررا لطرده من المكتب، لكنه تمسك بالصمت والصمود الى نهاية العملية. بعد الفرز تم إغلاق المكتب وسل ممثلي سيفه في وجه اللجنة المكلفة بفرز الأصوات ووعدهم أن جميع الأوراق يجب وضعها الواحدة تلو الأخرى على شكل مجموعات وأن يتم فرزها بدقة وإلا سيعمل على نحر مجموعة من الأشخاص وأنه مستعد للذهاب الى السجن من أجل ذلك.. فعلا أرغم موظفي العمالة على إعلان نتيجة الانتخابات وأعلنوا عنها بعد أن حملوا صندوق التصويت نحو العمالة، على أن تقدم المحاضر للمحكمة.. وحاول القائد الإداري تغيير الاسم على اعتبار أن المرشحين: اديحيا محمد واديحيا أحمد لديهما نفس الاسم العائلي لكن بدون جدوى.. بعد التحاقي بالمجلس البلدي لم نعمل بتوجهات الحركة الشعبية وكنا نعمل وفق توجهات الاتحاد الاشتراكي، ومع الأسف بعض الإخوة لم يتفهموا هذا الموقف، كان بعضهم يردد أننا زائغين عن الخط السياسي للحزب ونحن ندعي أننا نمارس حيلة سياسية.. نحن مجموعة من الإخوة استطعنا أن نحرك المجتمع التزنيتي مما سهل علينا مأمورية النجاح في الانتخابات المتتالية… كنت أثناء مرحلة الشبيبة الاشتراكية أميل الى حزب التقدم والاشتراكية باعتبار بعض المناضلين الذين كانوا معنا أتناء الدراسة كلهم من هذا الحزب، وكان الحزب المذكور انذاك يتوفر على نخب فكرية من مستوى عال في الحرم الجامعي وفي المجتمع.. وكانوا من المضطهدين والمراقبين بشدة وأنا من الناس المؤمنين بالتحدي وفي هذه الفترات التي قضيتها في المجلس تعرضت لعدة اهانات واحتقارات وملفات مفبركة تعرضت ل8 محاكمات في سنة 1983 لوحدها.. هذا هو مساري السياسي قبل أن اقتنع بحط الرحال في حزب التقدم والاشتراكية الذي أمارس به لأزيد من 23 سنة بمعية مجموعة من الرفاق المسيرين للشأن المحلي لثلاث فترات متتالية…

هل يمكن أن تقارن بين أداء المجلس البلدي في الثمانينات في عهد الاتحاد الدستوري والتسيير الحالي للمجلس؟

الفرق بين تسيير 83 والتسيير الحالي فرق شاسع ولا مجال للمقارنة بينهما، في 83 كان العامل والباشا والقائد هو الكل في الكل، والمجالس عبارة عن كراكيز تسير خارج المجلس. يتم إبرام صفقات واهية مثلا حديقة الأمير مولي عبد الله تم إنشائها بالتزامن مع زيارة الملك الحسن الثاني لتزنيت بتكلفة مالية خيالية، فالسياج الحديدي لوحده كلف أنذاك 42 مليون وعند مقارنتنا لما أنجز مع أسعار السوق لا يتجاوز ثمنه 12 ألف درهم… مجموعة من الأقواس الحديدية التي كانت متبثة بمداخل تيزنيت أنجزت بثمن قدره 8 مليون سنتيم للقوس الواحد وعندما استفسرت عن ثمن صنع آخر قوس من طرف لحام من بني ملال تفاجئت بأن الثمن لا يتجاوز 8000 درهم وهذا يكشف الفرق… كانت الصفقات تخضع للسرقة الموصوفة والتبزنيس من طرف رئيس المجلس والطغمة المحيطة به.. لقد كاتبنا وزارة الداخلية آنذاك ووزارة المالية وكذا عامل الإقليم لكن لا حياة لمن تنادي.. بعد صراع مرير تتم المناداة علينا أننا مطالبون بطي الصفحة وفتح صفحة جديدة وهكذا دواليك وعندما يكثر الصداع في المجلس، يتم حبك قضايا للزج بنا في متابعات قضائية، حيث يتهموننا باتهام السلطة بتلقي الرشوة بدون حجة… ورغم تقديمي لعدة محاكمات كنت دائما أخرج بحكم البراءة لكوني أتوفر على الحجج الدامغة، كما كان هناك مجموعة من الأساتذة المشتغلين في المحاكم الابتدائية والاستئنافية من زملائنا في الدراسة وكلهم يتفهمون هذا الموقف إلا قلة قليلة.. علما أن التعليمات التي أعطيت لرئيس المحكمة تنص على تدبير مكيدة علي وإصدار حكم قاس عليا كي يتم فصلي من المجلس البلدي…

أنت أقدم مستشار بالمجلس البلدي لتزنيت.. متى سيأتي دورك لتصبح رئيسا للمجلس؟

صحيح أن العمل السياسي من حق ممارسه أن يطمح الى الأهداف التي يراه مناسبة.. إلا أن عبد ربه يعرف قيمة المسؤولية وأنا مند ممارسة العمل الجماعي لم أكن اطمح أن أكون رئيسا أو نائبا للرئيس… كل ما أطلبه هو أن أنتمي الى فريق عمل منسجم متكامل يقدر المسؤولية يحترم المواطن يدافع عن كرامة الإنسان ويدافع عن حقوقه ويتبنى العدالة الاجتماعية والعدالة الضريبية بالنسبة لساكنة المدينة.. والنهوض بأوضاع المدينة في جميع المجالات هذا هو هدفي، لا اطمح أن أكون رئيسا أو أن أتشدق بأنني أكبر الناس تجربة. أنا دائما عبد ربه كما يشهد الجميع ومن أراد أن يتأكد عليه استفسار الشارع التزنيتي.. أنا في خدمة المواطن وخدمة المدينة بدون أن أسعى الى تسلق مراكز القرار.. أثناء إعداد لوائح المرشحين للمجالس الإقليمية أتهرب دائما من تحمل مسؤوليتين في مجلسين لأنني أقدر المسؤولية انطلاقا من تربيتي وقناعاتي، فالإنسان الذي يريد أن ينجح لا بد أن يكتفي بمهمة واحدة أو اثنتين فكلما زادت المهام كلما تخلى الإنسان عن واجبه…

هل صحيح انك أول معتقل يلج مخفر الشرطة بتزنيت؟

صحيح أنذاك كنت اعمل في مقهى بشارع سيدي عبد الرحمان كشريك لصاحب المقهى، في ذلك الإبان تم بناء مخفر الشرطة بشارع الحسن الثاني سنة 1970 كان لي صديقا للدراسة وابن مقاوم في فم الحصن اسمه العاقل محمد دخل علي في المقهى وهو في حالة سكر واعتدى على زبون بدون مبرر… وحاولت أن أفصل بينهما فإذا به ينهال علي بالسب والشتم وآنذاك كنت في ريعان شبابي أقوى من الفرس.. لقد أخدته مأخذ الجد ولكمته بعدة لكمات وضربات قاسية وتم جره خارج المقهى وتوجهت الى الكوميسارية للشكوى من الشخص، الذي اعتدى على زبناء المقهى وكان المسؤولون على الأمن ينظرون الي كإرهابي ومشاغب وكإنسان متهور وتم الانتقام مني وتم اعتقالي رفقة صديقي العاقل وكنا من الأوائل، الذين دشنوا مخفر الشرطة بتزنيت…

نريد منك تعليقا سريعا على هذه الأسماء.

إبراهيم التزنيتي:

 هو إبراهيم التزنيتي المرابطي أخ لأستاذي محمد التزنيتي، الذي يرجع له الفضل في تدريسنا اللغة العربية والفقه الإسلامي بمعهد تارودانت. كان مناضلا فذا صلبا وكان من كان من أوائل الملتحقين بحزب الاستقلال، التحق بجيش التحرير فكان في فيلق الجنرال حمو الدين أمروا بتحرير الصحراء وتم إيقافهم من طرف الدولة آنذاك، بدعوى “أنهم يشكلون خطرا على النظام” وتمت متابعتهم من طرف أجهزة الأمن، ثم التحق بليبيا وكان يعد برنامج في اذاعة “التحرير” بليبيا ينتقد فيها النظام المغربي.. الى أن التحق بالمغرب للمرة الثانية من أجل القيام بعمليات ربما كانت تتوخى قلب النظام وتم قتله في جبال الأطلس في أحداث مولي بوعزة سنة 1973 .

ابراهيم اللحياني:

من جيلنا يكبرني بسنتين أو ثلاث سنوات، كنا أصدقاء نتعاون في المجال الفلاحي فيما بيننا، وكنت من أصدقائه لكوننا نحمل نفس الفكر، الذي تشبعنا به في صبانا.. كان إنسانا ثوريا الى درجة أنه لما التحق بالكلية انتخب أمير الطلبة وكان يحب النقاش في المجال السياسي لدرجة ان جميع الشباب التزنيتي ينبذونه خوفا من كل ما من شأنه أن يزج بهم في مشاكل مع المخزن.. إلا أنه يعمل في صمت بعد مجيئ الاستفتاء على الدستور سنة 1966 أنشئنا خلية برئاسة إبراهيم الحياني، حيث أعددنا مجموعة من الملصقات الكبيرة والصغيرة للتصويت ضد الدستور لعدم قناعتنا بما ورد به من مضمون.  وحدث ذلك بمنزل اللحياني بحضور عبد ربه والأستاذ سوساني وعبد الكريم الشعوري وجامع إكرو.. وبعد كتابة مجموعة من الملصقات من أحجام مختلفة تم تقسيم الأدوار على أن يتم إلصاق المنشورات في جدران تيزنيت وفي أبواب الأسوار وأبواب المؤسسات العمومية على الساعة الرابعة ليلا،  ونشرنا عدة ملصقات.. كان اللحياني ذكيا ربما لالتماس الأجهزة الأمنية الفرصة في الرجل حاولوا استقطابه لأنه في ذلك الزمن جميع المناصب كمناديب الوزارات وغيرها تعتبر مناصب سياسية تعطى لكل من يستطيع التعاون بمعية الأجهزة المخزنية لتتبع تحركات المناضلين.. فقد كانت الأجهزة الأمنية، وكنت أنا التحقت بالتعليم في بداية الثمانينات، تقوم باستغلال البطاقات الشخصية للموظفين أثناء الإضرابات حيث تتم مطالبة أسماء الموظفين الثوريين، الذين ينتمون الى الأحزاب اليسارية آنذاك ويتم استغلال اللوائح واستثمارها لمعرفة الأشخاص المعنيين ومكان عملهم وأرقام تأجيرهم ولماذا يدعون الى الإضراب، وكنت قبل أن التحق بنيابة التعليم من الناس الذين تكلفوا في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بمهمة توزيع المناشير في أرجاء جماعة ويجان وأنزي.. وأثناء إعدادنا لأحد الإضرابات فوجئنا بمجموعة من رجال الأمن يقومون بتطويق مقر النقابة في زنقة إمي وكادير، وبعد خروجي من المقر حملت معي كميات مهمة من المناشير التي أحكمت إخفائها تحت حزامي.. وتأبطت لباس جاكيط لا تكشف عن ما تحتها.. لقد تعلمت من تجربتي المتواضعة في العمل العسكري أنه يجب العبور من الجهة التي يأتي منها الرصاص بكثرة وليس من الجهة التي تأتي منها نيران ضعيفة.. توجهت نحو مكان تجمع فيه خمس من رجال الأمن وألقيت عليهم السلام دون أن ينتبهوا الى ما أحمله.. عندما جاءت التعليمات بتوقيف رجال التعليم المناضلين في الكدش كنت ضمن لائحة الأسماء المقترحة للتوقيف، وكان الحاج احمد اوشيخ ويشتغل آنذاك في قسم الشؤون العامة بعمالة تيزنيت هو المكلف بتتبع الملف في نيابة التعليم واختار اسمي كمشاغب في جماعة ويجان وأنزي.. ولكنهم تفاجئوا بكوني طريح الفراش يوم الإضراب بمستشفى حمان الفطواكي بتزنيت ونمت في المستشفى اثر مرض “بوصفير” وحصلت على شهادة طبية، مما ساهم في التشطيب على اسمي من  لائحة الموقوفين…

عمر الساحلي:

كان نموذجا، وكان مدرسة في حد ذاته في النضال والصمود والقناعة وعزة النفس. كان أستاذ للغة العربية يدرس البلاغة في معهد محمد الخامس بتارودانت، وكان أول مدير لنفس المعهد نظرا لارتباطه بمجموعة من رجال العلم والمعرفة ورجال المال السوسيين، الذين بنوا معهد محمد الخامس وكان مناضلا فدا يحمل فكرا ثوريا آنذاك. وكان من مؤسسي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومنه نهلنا هذا النضال وهذه التربية. كنا نتمنى من قرارة أنفسنا أن نحذو حدوه في جميع مناحي الحياة فهو معروف بالكفاف والعفاف والغنى عن النفس… وقد عرضت عليه مجموعة من المناصب الإدارية، لكنه رفضها لدرجة أنه قال في أحد المنتديات “لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تخليت عن مبادئي”.. فوجئ ذات يوم في معهد تارودانت برسالة يحملها شخص مجهول يقال أنه من المخابرات تتضمن تعيين مدير جديد على رأس المعهد وطلب منه أن يتخلى عن العمل الإداري ويعود الى قسمه، فعلا لم يتردد سي عمر في ترك منصب المدير ورجع الى قسمه وتم تدبير الشأن الإداري بالمعهد من طرف الشخص المعين… كان معهد محمد الخامس ينعت بكونه ثكنة عسكرية ضد النظام ما زلت أتذكر عندما كان الجنرال بلعربي عاملا على إقليم اكادير قام بزيارة معهد تارودانت واشترى عجلين سمينين للطلبة وأمر بذبحهما في طعام الغداء واجتمع مع رجال المسيرين للمعهد بما فيهم الحاج عابد التافراوتي وسي الحاميدي والسعيدي… ولما استفسر عن ميزانية المعهد وجد بها رصيدا مهما وأمرهم بإيداع المبلغ في الخزينة العامة في أفق استثماره إلا أنه سمعنا أن ذلك المبلغ صار في خبر كان…

كلمة أخيرة

أشكر مدير “أخبار الجنوب” والعاملين معه الذين استضافونا في هذا الحوار، وهو حوار تلقائي لا تكلف فيه ولا التباس ولا لف ولا دوران.. هكذا أصف نفسي محمد اديحيا خادم الناس جميعا ولكم منا جزيل الشكر والتقدير ونتمنى لكم المزيد من الصمود والنضال والتألق والمثابرة…

حاوره: ابراهيم وزيد

نشر في “أخبار الجنوب” عدد شهر يونيو 2012

اضف تعليق